خطاب الصلح في مؤتمر المحامين العرب في دمشق 1944

وثائق رسمية (لبنانية)
15 آب 1944

عندما دخلت اليوم دمشق عدت بالذكرى،وانا اعيش بالذكرى، الى ايام خلت عندما اتيح لي ان اقف على منبر من منابر دمشق وقد كانت دمشق في عنفوانها تعمل ليس لاستقلالها فقط بل لاستقلال جميع البلاد العربية، نعم عدت بالذكرى الى آخر خطاب القيته في دمشق صدرته بقول الشاعر: 

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه 
وايقن انّا لاحقان بقيصرا 
فقلت له لا تبك عينك انما 
نحاول ملكا او نموت فنعذرا 

نعم عدت بالذكرى الى ذلك اليوم وقسته على هذا اليوم الذي هو من ايام دمشق الغراء وما اكثر ايامها وانا عندما اذكر تلك الايام لا اكاد انتهي منها. 

هذا يوم ارادت فيه البلاد العربية جميعا ان يكون لدمشق فهنيئا لك دمشق بجهادك الطويل وهنيئا بهذا اليوم المبارك. اتيت دمشق مرافقا الوفد اللبناني لأرى واسمع تأثير هذا اليوم على اعضائه فرأيتهم يتأثرون بالعروبة كما تتأثرون انتم. 

فلبنان وطن عربي كما قالت حكومته في بيانها الوزاري الذي اقره لبنان من اقصاه الى ادناه، وهو ان لبنان وطن عربي لا يريد بعد اليوم ان يكون للاستعمار مقرا ولا يريد ان يكون الى البلاد العربية للاستعمار ممرا. 

لبنان المستقل وقد اعترفتم انتم باستقلاله جميعا واعترفت به حكوماتكم يذهب معكم الى المدى الذي انتم ذاهبون اليه. 

سألني مصري كبير عندما كنت في مصر على رأس الوفد اللبناني في مشاورات الوحدة العربية كما سألني السؤال نفسه رجل عراقي كبير: الى اي مدى يذهب لبنان بالوحدة العربية؟ 
فقلت: ان لبنان يذهب في المدى الذي تذهبون اليه انتم، يريد الاستقلال التام الناجز بحدوده وبكيانه كما اعترفتم انتم به ولكنه يتعاون في العروبة الى الحد الاقصى. اقول هذا ليسمع لبنان ما اقول وليسمع جميع ابناء العرب. واظن انني اعبر عن رأيي وعن رأي اخواني وزملائي. 

هذه خطتنا وهذه سياستنا سنسير بها الى النهاية.، سنلبي اية دعوة توجه الينا، بل لا نكتفي بذلك، وسندعو الاقطار العربية لعقد المؤتمرات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية وغيرها. 

ان الوحدة العربية، ايها السادة، وانا كما تعلمون مجاهد قديم في هذا الحقل عملت في سبيله، افهم منها ان تكون ضمان استقلال كل بلد عربي وجامعة للبلاد العربية. ان الدسائس تدس والمؤامرات تحاك. لقد سمعت بالامس من يقول ان سوريا والعراق اتفقا على ابتلاع لبنان. ان هذا لا يحصل ولن يحصل واني اردد هذا الكلام امام رجالات سوريا والعراق. 

نحن سندخل مشاورات الوحدة العربية على التساؤل عما تقتضيه مصلحة الامة العربية ومصلحة كل قطر عربي. 
عندما دخلت المعركة الانتخابية في لبنان استشرت اخواني في الجهاد وقلت لهم ان لبنان يسير على غير الطريق الذي نريده. يسير المسلم في طريق والمسيحي في طريق آخر، وهما لن يجتمعا، وعلينا ان نجمعهما تحت راية الاستقلال. 
على هذا الاساس دخلت المعركة الانتخابية وعلى هذا قبلت رئاسة الوزارة وعملت مع اخواني لأن يكون لبنان بلدا مستقلا، فوصلنا الى ما نصبو اليه ورفعنا علما جديدا شريفا ترونه خفاقا، رفعناه علماً واحللنا اللغة العربية المكانة الاولى واصبحت لغة لبنان الرسمية ورفعنا من الدستور كل شائبة فاصبح دستورا خالصا لوجه الله والوطن. 

قلنا لاخواننا: نحن مستقلون ، فاعترفوا لنا بهذا الاستقلال ولهم عندنا وزراء مفوضون. واصبح استقلالنا قائما على دعامة كالصخر. ان اخواني اعترفوا باستقلال لبنان شرط ان يتعاون مع البلاد العربية، استقلاله بحدوده وكيانه. انني ولا شك في موقف حرج امام اخواني الذين يعتقدون انني اصبحت اقليميا ولكن اذا رجعتم الى حقيقة الموقف ترون ان جميع البلاد هي كلبنان من حيث تفهمها للوحدة العربية. هذه هي الحقيقة. 

انني افضل اتفاق المسيحيين والمسلمين في دولة مستقلة على امبراطوريات عظيمة ليست مستقلة. 
وانني في هذه المناسبة اقدم شكر هذا الاخ الصغير لبنان الى شقيقاته الكبرى، فعندما حلت به النكبة المعلومة مدوا له يد المعونة، وهذه في عرفي من اولى حسنات الوحدة. اشكرهم جميعا وارجو الله ان يمن على هذه البلاد بالسؤدد والسعادة. وكلمة اخيرة، اشكر الذين اكرموا وفادتي في دمشق حاكما ومحكوما. انني تلميذ من تلاميذ دمشق، عنكم اخذت ومنكم اقتبست وسأتحدث عن مكارمكم ما دمت حيا.