شهيد القضية اللبنانية

مقالات
28 كانون الأول 2013

الدكتور داود الصايـغ 

لم يكن محمد شطح على اللائحة في ضمائر اللبنانيين، حسبما عوّدهم مخططو الإجرام الإرهابي. إنه كان النموذج الآخر. النموذج الموعود للبنان كما يجب أن يكون، لبنان المستعاد. ولبنان المصون بوحدته وحريته وإنفتاحه وضرورة حمايته.
فمن كان ليتصور أن شخصا ً مثل محمد شطح يمكن أن يستهدف بذلك الإرهاب الذي يعايشنا منذ أكثر من ثماني سنوات، ويحصد الشخصيات الوطنية صاحبة القضية الكبرى.
ومن كان ليعتقد أن شخصا ً أنتجته التجربة اللبنانية بكل ما تمثل من حضارة وعطاء وإعتدال وقدرة على إيجاد الحلول، والذي ألفه اللبنانيون ينشر الموقف الواضح والعميق، بالتحليل الواعي إياه خدمة لقضية لبنان الذي كان من أقدر من يملك ملفها العادل.
ولكن للمجرمين حسابات أخرى. لأن محمد شطح، بالمواصفات تلك، بالمواقف المقنعة والهادئة التي ما فتئ يرددها، كان يشكل خطراً، يضاهي في نظرهم أخطار العنف الكلامي.
فالقيمة الحضارية خطر على الظلام، لأن الإرهاب ظلام قبل أن يكون ظلما ً. ومحمد شطح كان على موعد دائم مع الضوء: هذه قضيتي، أعلنها وأكررها، ومن لا يوافقني فليحاورني. وليس هذا منطق الظلاميين.
لكن الحوار الذي كان يتقنه، والكلمة التي كان يرددها، ولبنان الأول الذي كان يؤمن به، لعلها هي التي كانت الخطر بالذات، بالنسبة الى الذين أرادوا لبنان الآخر. بهذا المعنى كان محمد شطح، بكل ما يحمله من تجربة متألقة، من صندوق النقد الدولي، الى نيابة حاكمية مصرف لبنان، الى سفارة لبنان في واشنطن، الى وزارة المالية، الى المنصب الإستشاري للرئيس سعد الحريري، ثم الى ذلك الحضور السياسي والإعلامي المميز، والى ذلك الدور الذي كان يمكن أن يؤديه في المستقبل، كله شكـّل الخطر بالنسبة الى الرافضين لعودة لبنان الذي كان محمد شطح ينادي به.
والآن، ومحمد شطح يضاف الى اللائحة، وصورته الى جانب شهداء ثورة الأرز، منذ نهاية 2004 حتى اليوم، يصبح العبء ثقيلاً ليس فقط بعدد الذين استشهدوا، بل بأهمية القضية التي حملوها. فمن رفيق الحريري الى محمد شطح، لا تزال القضية إياها، ولا يزال لبنان الموعود أمانة في أعناق الباقين.
ولكن هل بات قدر الباقين أن يعدوا الشهداء، وأن يقيموا الإحتفالات لتذكاراتهم، ويلقوا الخطب المشيدة بهم وبما يمثلونه.
فثورة الأرز كانت ثورة على الموت الظالم قبل كل شيء، ثورة على الذين خططوا لموت لبنان. والقضية لا تزال هي ذاتها. أليس ذلك هو ما يحصل. محمد شطح سقط في سبيل هذه القضية.