متى يموت محمد شطح؟

مقالات
28 كانون الأول 2013

علي الأمين 

عندما تتناثر اشلاؤه في فضاء لبنان وقلب بيروت لا يحقق القاتل مبتغاه من قتل محمد شطح.
وعندما يغيب محمد شطح عن هذه الدنيا بالقتل الجسدي، لا يموت بالضرورة. لأن امثاله من اصحاب العقول المتوقدة، والسلام الداخلي، المؤمنين بلبنان، بالوطن، المثابرين على بناء سلام لبنان عبر الدولة، والحوار، والتفاعل المثمر ازدهارا وأماناً لكل المواطنين، مثل هؤلاء يعلمون ان عدوهم لن يتركهم من دون رصاصة قاتلة او عبوة ناسفة تستهدف أجسادهم. ويدركون ان اصطياد اجسادهم سهل بقدر صعوبة تقويض مبادئهم وافكارهم وارواحهم التي هي من كنه لبنان ومن روح الاديان وامتداد للقيم الانسانية العالية.
متى يقتل محمد شطح؟
محمد شطح يقتل عندما تهزم احلامه، وعندما تتصدع مبادئه، ويجري تقويض تطلعاته للدولة والوطن وسلوكه في الاختلاف وفي الشأن العام. يقتل ايضاً عندما نتحول الى قتلة، فالقاتل يسعى دوما الى اثبات ان الجريمة هي ديدن اللبنانيين، وان الاغتيال والقتل والالغاء هو طبيعة من طبائع الناس في هذا البلد. لأن القاتل بذلك يريد ان يقنع نفسه وأطفاله او حين ينظر الى عيون افراد عائلته او الى من يظن انه يحبهم، انه قتل من أجلهم، رغم انهم يتألمون لهذه الارواح التي تزهق.
القاتل يريد ان يثبت هذه الحقيقة اي اننا قتلة. ومحمد شطح كان في كل اطلالة او موقف يعلي من شأن العقل، من قيمة الانسان، من قيم المواطنة، يعطي قيمة للحياة، من خلال ايجاد ركائزها في الحياة السياسية والوطنية، في الاختلاف والتنوع، في قبول الآخر.
محمد شطح البارع في إحراج منطق القاتل بابتسامته، بعباراته المهذبة، بأفكاره اللامعة، بالحب الفطري الذي يتفتح من عباراته ومنطقه، بإصراره المدهش على العقلانية والتفكير، محمد شطح كان يتقن براعة تحفيز العقل، ومن دون ادعاء كان ينتصر على العصبية بقوة المنطق والعقل، لإدراكه ان العصبية سلاح العاجز وخنجر القاتل .
يموت محمد شطح ويُقتل عندما يقوّض العقل، وعندما تنتصر العصبية المذهبية او الطائفية، عندما نستسلم للقاتل… عندما نستسلم للخوف، عندما نذعن للجريمة ومنطقها، بهذا المعنى الرد على جريمة الاغتيال هذه لا يكون الا بالانتصار للشهيد، لمنهجه وسلوكه، لأفكاره التي يعرف القاتل انها اقوى من سلاحه. يموت محمد شطح حين تقتل الدولة وتصبح دويلات، حين يتسيّد النبذ للمختلف، حين تنتصر العصبية على العقل، والجريمة على القانون، والطائفة على الدولة، الرصاصة على الدم، والقاتل على القتيل.
على ان الاهم في هذه الجريمة بعد قتل الانسان، هو محاولة لاستدعاء التطرف ومحاولة لجعل لغة القتل وسيلةََ الحوار بين المختلفين، اذ عندما تجرى المقارنة بين محمد شطح وقاتله فإننا ننحاز الى شطح ايا كان اختلافنا او اتفاقنا معه، وبالتالي فإن القاتل يستدعي من يماثله لأنه بذلك يكسب فرصة ان يكون غريمه على مثاله قاتلاً. وسيظل مصرا على القضاء على امثال محمد شطح، وعلى منهج الحوار.. القضاء على الدولة في سبيل الدويلة.