نص الوثيقة السياسية لـ"تيار المستقبل".. لأجل لبنان

وثائق لبنانية
6 نيسان 2009


6 نيسان 2009 

طبعت تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري مرحلة مهمة من تاريخ لبنان المعاصر. ولم يعد في الامكان التأريخ لهذه المرحلة الممتدة لأكثر من عشرين سنة بدأت في مطلع الثمانينات من القرن الماضي من دون ربطها باسم رفيق الحريري وسياساته.
يسجل للرئيس الحريري أنه كان أول من أدرك التحولات الجارية على الصعيد العالمي، في ضوء نهاية الحرب الباردة وانطلاق مرحلة العولمة، وانعكاساتها على لبنان والعالم العربي. ففي وقت كان لبنان لا يزال يرزح تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي والحروب الداخلية، تقدم برؤية جديدة ومستقبلية لإعادة تأهيله وجعله قادراً على استقبال المتغيرات الحاصلة. 

وارتكزت هذه الخطة على الأمور الآتية:

[ أولاً ـ وقف الحرب وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي 
جهد رفيق الحريري لايقاف الحرب الاهلية، فأدّى دوراً اساسياً في دفع أطراف الصراع الى الحوار ودعم معظم المحاولات التي بذلت للتوصل الى حل في ما بينها، وشارك بفاعلية في مؤتمري جنيف (1983) ولوزان (1984). غير أن مساهمته الأهم كانت في "اتفاق الطائف" الذي انهى الحرب اللبنانية، وهو اتفاق بدأ الرئيس الشهيد العمل للتحضير له قبل أكثر من سنتين على انجازه، وذلك من خلال حواراته مع أطراف الصراع في لبنان لبلورة المشتركات الوطنية، وتواصله مع الدول صاحبة التأثير في الأزمة اللبنانية.
كذلك بذل جهداً استثنائياً في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي للأراضي اللبنانية، وهو جهد سبق توليه مقاليد السلطة في العام 1992 اذ عمل لدعم المقاومة اثناء اجتياح العام 1982 وبعده.
إن المعادلة التي حكمت مواقف الرئيس الحريري من قضية التحرير كانت ترتكز دائماً على توجهين متلازمين: النهوض الاقتصادي كأساس لتوفير شروط الصمود، والوحدة الوطنية لاحتضان المقاومة في وجه الاحتلال.
إن تاريخ لبنان يسجل للرئيس الشهيد دوره المميز في هذا المجال، والتحرك غير المسبوق الذي قام به وحمل من خلاله صوت لبنان الى كل ارجاء العالم ليسهم في وقف حرب "عناقيد الغضب" الاسرائيلية، ويبرم أول تفاهم لبناني- اقليمي- دولي من نوعه هو تفاهم نيسان 1996 الذي أعطى المقاومة اللبنانية شرعية الاستمرار وأسس إنجاز التحرير عام 2000.

[ ثانياً ـ إعادة اعمار لبنان
وضع الرئيس الحريري مشروعاً شاملاً لإعادة اعمار لبنان بعد كل ما أصابه من دمار وخراب جراء الحروب الداخلية والاعتداءات الاسرائيلية، ولم يكن مشروع الاعمار عنده بالبناء المادي فقط، انما بكل ما تحمله كلمة اعمار من أبعاد وطنية شاملة في السياسة والاقتصاد والثقافة والتربية والتعليم ومتطلبات النهوض الشامل.
واللافت كان اهتمامه الباكر بقيمة العلم والمعرفة باعتبارهما الأساس في تطوير الاقتصاد وتحديثه، فعمل لفتح أبواب الجامعات في لبنان والعالم أمام آلاف الشبان والشابات، ودعم المؤسسات التربوية والجامعية، وساهم في تحديث الكليات في أكثر من جامعة في لبنان.

[ ثالثاً ـ بناء الدولة الحديثة
عمل الرئيس الشهيد لبناء الدولة الحديثة في وجه العصبيات الطائفية، معتبراً أن لا حل لمشكلات لبنان الا بتحقيق التقدم والنمو على قاعدة التوازن: التوازن بين اللبنانيين جميعاً في الحقوق والواجبات وفي البناء والانماء، والتوازن في الهوية والانتماء الى لبنان كوطن نهائي وإلى العروبة كهوية جامعة، والتوازن في العلاقات الدولية في سبيل خدمة لبنان والعرب.
غير أن الوصول الى هذا الهدف لم يكن سهلاً في بلد خارج من حرب مدمرة، تنهشه الصراعات والنزاعات بين جماعاته الطائفية والسياسية، ويواجه احتلالاً اسرائيلياً استنزفه باعتداءاته المتكررة، وكذلك في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية متردية وفي ظل نظام اقليمي يتوسل كل الاساليب لابقائه في حالة الانقسام والضعف.
لقد اعتبر رفيق الحريري تطبيق اتفاق الطائف البداية الأولى لبرنامجه السياسي والإنمائي عندما تسلم رئاسة الحكومة العام 1992، فكان برنامجه الذي أعلنه: الإعمار الداخلي والنهوض الاقتصادي وبناء الدولة ومؤسساتها وتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي وإعادة لبنان الدولة إلى الساحتين العربية والدولية.
وقد نضجت تجربته مرحلة بعد مرحلة في ما أنجزته وفي ما لم تنجزه. وفي ظل الظروف والضغوط السياسية وملابسات التركيبة السياسية اللبنانية وتناقضاتها، تبلور مشروعه السياسي والوطني والاقتصادي والاجتماعي للدولة الحديثة، وتبلور معه تيار شعبي أراد له أن يعبّر عن نفسه من خلال برنامج متكامل تمت صياغته في وثيقتين، الأولى سمّيت "الحكم والمسؤولية"، والثانية سمّيت "برنامج وطن"، مثّلتا نضوج التجربة الحريرية، وأول برنامج من نوعه للحكم في لبنان، يطرح حلولاً واقعية للمشكلات الكبرى في حياتنا السياسية وأوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية، ويرسم التوجهات الأساسية والممكنة ضمن الظروف العامة والتغيرات الدولية التي تحيط بلبنان والمنطقة.

[ رابعاً ـ تجديد مفهوم العروبة 
من أهم البنود التي طرحها الرئيس الشهيد، تجديد العروبة وتحديثها لجعلها رابطة منفتحة وديموقراطية وجامعة، محررة من الاختزال الذي اساء إليها وحوّلها الى ورقة للاستخدام في الصراعات التي شهدتها المنطقة على مدى أكثر من نصف قرن.
والعروبة كما حددها الرئيس الشهيد تتجسد بفكرة التعاون العربي الذي هو مشروع العرب المستقبلي ومدخلهم الى تجديد حضورهم في عالم اليوم. ومما جاء على لسانه في محاضرة ألقاها قبل شهرين من استشهاده (13 كانون الأول 2004:)
"إن البدء بالعمل يكون بمواجهة التحديين اللذين يواجهاننا: 
_ التحدي الاول هو تحديد الأهداف لما نريد تحقيقه في العقد ونصف العقد المقبلين والتخطيط لمستقبل قائم على العلم والمعرفة واصلاح البيت العربي اضافة الى اصلاح الذات. 
_ والتحدي الثاني هو ان نتجاوز الشعارات وان نطابق الاقوال بالافعال لكي نكسب ثقة العالم من خلال صدقيتنا. 
اذا لم نقم بتحديد الاهداف والانتقال من القول الى الفعل، عندها سنستمر في العيش في حال دائمة من ردود الفعل. لقد آن الاوان لينتقل العالم العربي من حالة ردود الفعل الى الفعل، ومن موقع المتلقي الى موقع المبادر والمشارك والقيادي، ليس في تقرير مستقبل منطقتنا ومستقبل شعوبنا فحسب وانما ايضاً في ان يكون شريكاً في الحوار العالمي حول المسائل التي تقرر مصير عالمنا. 
اننا نريد نشر الديموقراطية بمفهومها الواسع القائم على هذه الحرية حرية الرأي والمعتقد والتعبير وعلى وجوب المحاسبة لأن هذه هي اساس الديموقراطية. اننا نريد انظمة ديموقراطية تحترم الانسان وتعمل لرفع مستوى حياته ونوعيتها من خلال حكم صالح قائم على فصل السلطات وتعزيز استقلال القضاء. فمن دون الديموقرطية لا سيادة للقانون ولا امكان لاصلاح حقيقي ولا امكان للتنمية المستدامة وبالتالي لا فرصة حقيقية لتحسين مستوى عيش المواطنين في بلداننا ونوعيته. 
ان الدعوة الى التزام الديموقراطية يجب ان تترجم بالافعال فلا نقول شيئا ونفعل آخر. كما ان المناداة بالديموقراطية لأغراض دعائية يقصد منها تجميل واقع سيىء ليست ما نصبو اليه. إن ما نتطلع اليه هو ديموقراطية حقيقية تلبي طموحات الانسان وتستجيب للمسؤوليات التاريخية الملقاة على عاتقنا".
كان الرئيس الشهيد يرى العولمة تحدياً للعرب وفرصة في الوقت عينه، هي تحدّ للأنظمة الخائفة والضعيفة، وهي فرصة للأقوياء والمتقدمين بأن يتحولوا الى تكتل سياسي واقتصادي وأن يقيموا سوقاً مشتركة لبناء علاقات متوازنة مع النظام العالمي بدلاً من العلاقات المنفردة.

منذ اليوم الأول لوصوله الى سدة الحكم تعرض مشروع رفيق الحريري مشروع قيامة لبنان الى حرب استنزاف للحيلولة دون تحقيقه، وكانت تلك الحرب تتصاعد كلما وفر الرئيس الشهيد لمشروعه شروط التحقق، وكلما أدرك أصحاب نظام الوصاية والهيمنة خطر هذا الأمر على استمرار هيمنتهم واستتباعهم للبنان.
هكذا أفشلوا مشاريع الاصلاح الاداري والاصلاحات الاقتصادية والقضائية والاعلامية، وكل اصلاح في أي مجال، كما عملوا لمنع المصالحات بين اللبنانيين للابقاء على انقسامات الحرب ومنعهم من التوّحد.

خاض الرئيس الشهيد صراعاً يومياً ومريراً وقاسياً مع تلك القوى التي دخلت لبنان بذريعة انقاذه، فمارست بحقه وبحق اللبنانيين تسلطاً وقمعاً ونهباً.

وعندما حاول النظام الأمني اللبناني - السوري تأبيد هيمنته على لبنان من خلال تمديد ولاية رئيس الجمهورية خلافاً للدستور ولرأي الغالبية العظمى من اللبنانيين، أطلق الرئيس الحريري معركة استعادة القرار الوطني باعلانه أن "رئيس وزراء لبنان لا يأخذ أوامره من أحد، وأن رئيس الجمهورية المقبل يختاره اللبنانيون أولاً" (22 شباط 2004). وبدأ يعمل لتنظيم صفوف المعارضة لخوض معركة الانتخابات النيابية. ولما اتسعت صفوف المعارضة وتجاوب معها اللبنانيون من كل الاتجاهات، لجأ النظام الأمني الى سياسة الارهاب، فأقدم على أشنع جريمة، هي جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بتهمة أنه يعمل لاستقلال بلاده.

حقق الرئيس الحريري باستشهاده ما لم يكن أحد يتوقعه، وهو مصالحة اللبنانيين مع أنفسهم ومع بعضهم بعضا، تلك المصالحة التي انطلقت من أمام ضريح الرئيس الشهيد لتعمّ البلاد والتي من دونها لما كان بالامكان اطلاق "انتفاضة الاستقلال" التي أعادت للبنان حريته ووفّرت الظروف المؤاتية لولادة هوية وطنية جامعة لا تقوم على استتباع فريق طائفي لآخر ولا تشترط إلغاء الانتماءات المتعددة، كذلك أعاد استشهاده الاعتبار لفكرة العدالة في بلد سقط فيه على مدى عقود ما لا يقل عن 150 ألف شهيد من دون أن تنكشف الحقيقة مرة واحدة.

إن شعارات السيادة والاستقلال والحرية والديموقراطية التي رفعتها ثورة الأرز في 14 آذار 2005 كانت تعبيراً عن إرادةٍ لبنانية جامعة رداً على جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وهي شعارات لا يجوز أن تُطوى تحت حمأة النزاعات مهما اشتدّت كما طوت الكثير من أحلام اللبنانيين، ما يتطلب أن نتخلص من عصبياتنا ونتوجه إلى رحاب الوطن، حيث كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات تحت سقف القانون والدستور، وحيث يكون التقدم والنمو هو الهدف الذي نسعى الى تحقيقه ليعود لبنان رائداً لنهضة عربية جديدة ونموذجاً يحتذى في محيطه العربي.

إن مشروع "تيار المستقبل" هو خلاصة لأفكار رفيق الحريري وتوجهاته وتجربته في الحياة الوطنية اللبنانية، وهو ركن أساس من أركان الحركة الاستقلالية التي ترتكز على مفاهيم الحرية والاعتدال والعيش المشترك، ونؤكد التزام موجباتها في كل الميادين.

الثوابت الوطنية 

"تيار المستقبل" هو تيار وطني جامع ومنتشر في جميع المناطق اللبنانية وبلاد الاغتراب، يلتزم الأسس والثوابت الوطنية الآتية:
[ لبنان وطن سيد مستقل، نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، عربي الهوية والانتماء. ولعروبة لبنان خصوصية تنبع من ذاته ومن وحدته الوطنية ومن شعبه المتعدد الأديان والجماعات في إطار العيش المشترك.
[ لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والمساواة بين اللبنانيين، ويؤمن إيماناً عميقاً بالاقتصاد الحر واحترام الدستور والقانون وحقوق الانسان، وثقافة الاعتدال منهجاً وسبيلاً للتوفيق الوطني بين وجهات النظر من خلال الحوار والتفاعل واحترام الرأي الآخر.
[ وثيقة الوفاق الوطني التي أقرّت في الطائف، تشكل المساحة الآمنة للسلم الأهلي في لبنان، وهي الوثيقة التي حققت اصلاحاتٍ سياسية عدة لجهة اعادة توزيع الصلاحيات داخل الدولة، وتثبيت الهوية والانتماء العربيين، وتكريس الطابع الديموقراطي البرلماني لنظام الحكم، والحريات العامة والنظام الاقتصادي الحر.
[ أن وثيقة الوفاق الوطني، ليست ملكاً لفئة من اللبنانيين، ولا هي أعدّت على قياس هذه الفئة أو تلك، انما هي جسر نعبر من خلاله جميعاً إلى السلم الأهلي والوطني والى دولة الحرية والتوازن والمساواة.
[ النظام الديموقراطي الليبرالي هو الركن الثابت والأساس للدولة اللبنانية الحديثة، وان التزام حماية هذا النظام ومؤسساته الدستورية والاهلية، يساوي الالتزام بحماية الدولة وسيادتها ووحدتها الوطنية، وإن أي تفريط بسلامته ومرتكزاته هو تفريط بوحدة لبنان وسيادته وحريته. إن النظام الديموقراطي اللبناني يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات وتعاونها وتوازنها، وبالتالي فإن أي تجاوز من أي سلطة لحدود سلطة أخرى هو انتهاك للدستور، وانتهاك لثوابت الوفاق الوطني، وتعطيل لدور المؤسسات في تطبيق القوانين وتحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين.
[ استقلالية القضاء اللبناني، والفصل بين السلطة القضائية والسلطة التنفيذية، والتصّدي لكل أشكال التدخل المباشر وغير المباشر في شؤون السلطة القضائية والإدارات والهيئات التابعة لها. إن القضاء لا يجوز أن يتحول تحت أي ظرف من الظروف الى أداة في يد السلطة السياسية. إن السلطتين التنفيذية والتشريعية في لبنان مسؤولتان عن توفير المقومات القانونية لاستقلال القضاء اللبناني وتمكينه من تطبيق العدالة بمعزل عن أي تدخل. 
إن العدالة في تطبيق القوانين هي الوجه المكمل لممارسة الحرية، فلا عدالة من دون قانون، ولا حرية من دون عدالة.
[ لبنان عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية يلتزم مواثيقها، ويؤدي دوره في خدمة القضايا العربية العادلة وفي مقدمها قضية فلسطين بكل ما تعنيه من أبعاد قومية وانسانية واخلاقية وثقافية، وباعتبارها قضية العرب المركزية ومحور نضالهم التاريخي وتضحياتهم والتزامهم المصيري إلى جانب شعب فلسطين في سبيل قيام دولته المستقلة وعاصمتها القدس وتأكيد حقّه في العودة.
[ لبنان عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة يلتزم ميثاقها، وعضو في حركة عدم الانحياز، ومنظمة الدول الإسلامية، وتجسّد الدولة اللبنانية هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات من دون استثناء.
[ يلتزم "تيار المستقبل" الإجماع اللبناني على رفض التجزئة والتقسيم والتوطين، وعلى اعتبار اسرائيل عدواً للبنان احتل أرضه ومارس العدوان ضد شعبه ودولته ومؤسساته، وهو عدو لن يستقيم السلام معه، قبل تحقيق حل عادل، يقوم على مبادرة السلام العربية التي قررتها قمة بيروت، ويشمل استعادة الأراضي العربية المحتلة.
[ يؤكد "تيار المستقبل" أن الجمع بين نهائية الوطن اللبناني وهوية لبنان العربية هو الوجه الحضاري للتكامل المطلوب بين "اللبنانية" و"العروبة"، ويرفض المنطق الذي درج على اعتبار الولاء الوطني للبنان ضرباً من ضروب الانعزال عن العروبة، او أن الانتماء إلى العروبة شكل من أشكال الطعن بالولاء للبنان. إن "تيار المستقبل" هو مكوّن استراتيجي من مكونات الاعتدال العربي ويتطلع لأن يكون دائماً وجه العروبة الحديثة والمتجددة في لبنان، وعنوان المصالحة الحقيقية بين اللبنانية والعروبة، والإطار السياسي الذي يعبر اللبنانيون من خلاله عن إرادة التكامل بين الاثنين وعن هويتهم وتماهيهم مع امتهم العربية، فلا "الوطنية اللبنانية" تتعارض مع العروبة هوية وانتماءً ولا "العروبة" تتعارض مع لبنان سيادةً واستقلالاً.
[ يلتزم "تيار المستقبل" تعزيز العلاقات اللبنانية العربية، ومن ضمنها تصحيح العلاقات اللبنانية السورية، والارتكاز في ذلك على المصالح المشتركة للشعبين الشقيقين، لتقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والنديّة والصلات التاريخية المتوارثة، وتعزيز دور الجامعة العربية وتطوير مؤسساتها بما يخدم العلاقات الثنائية والجماعية بين هذه الدول، وتفعيل اتفاقات التجارة الحرّة العربية سعياً إلى تحقيق التكامل الاقتصادي العربي والسوق العربية المشتركة.
[ يعلن "تيار المستقبل" نبذ كل أشكال التطرّف والعنف والانغلاق الديني والمذهبي الذي يسبب الانقسام، ويرى ان التعددية والتنوع يجب ان يكونا ميزة الديموقراطية اللبنانية. فالتعددية المنفتحة تؤدي الى التوحد الوطني والتنوع والابداع، اما التعددية المنغلقة فتؤدي الى الانقسام. إن التنوع يجب ان يكون سبيل لبنان الى الابداع السياسي والتطور والى تعميق الثقافة الوطنية الجامعة. هذه رسالة لبنان الحضارية في أمته العربية وفي العالم.
[ يؤكد "تيار المستقبل" أن للثقافة دوراً اساسياً في تطوير الحياة السياسية اللبنانية وتجديدها، ولا تلعب الثقافة هذا الدور إلا من خلال المثقفين انفسهم ومن خلال جمعياتهم وتجمعاتهم وأنديتهم، وهي امكنة للابداع والحرية الفكرية والسياسية والثقافية، يجب ان نحرص عليها ونحميها من كل قيد وفي كل المجالات: في التعليم والفن والادب والمسرح والسينما، وفي الاعلام المرئي والمسموع والمكتوب والالكتروني، إبداعاً وتطويراً وتجديداً للحياة المدنية والوطنية. إن لبنان لا بد ان يظلّ مركزاً وعاصمة للثقافة العربية المعاصرة وعاصمة للحريات الثقافية ومكاناً لحرية النشر والإبداع.
إن "تيار المستقبل" يعلن تصميمه على تبني مشروع دولة الاستقلال اللبناني الثاني. الدولة الحديثة العادلة والديموقراطية، والدولة المدنية غير الطائفية التي ترتقي بقيم الأديان ولا تنحدر إلى نزاعات الطوائف. دولة الدور اللبناني المتجدد التي تحفظ حقوق المواطنين، وتشكل ضمانة لحقوق الفرد والجماعات، وللرسالة الحضارية التي نشأت عليها الديموقراطية اللبنانية.
إن "تيار المستقبل" الذي ينبثق من أعماق تجربة وطنية سياسية توجها اللبنانيون في حركة الرابع عشر من آذار، ويستمد مبادئه وقيمه وأهدافه من تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونهجه، يؤكد العزم على أن يكون "لبنان أولاً" عنوان الارتقاء بالوطن نحو رؤية وطنية شاملة تعكس تطلعات اللبنانيين وأحلام الشباب فيه.

إصلاح الحياة السياسية 

تأسيساً على الرؤية التي وضعها الرئيس الشهيد، يرى "تيار المستقبل" أن اصلاح الحياة السياسية هو الشرط الأساس لمنع تكرار مآسي الماضي وحماية العيش المشترك وتأمين مستقبل آمن وكريم لجميع أبنائه.
يرتكز الاصلاح المنشود على قيام الدولة القادرة، دولة سيدة، ديمقراطية، حديثة:

أولاً: الدولة القادرة هي الدولة التي توفر الأمن لجميع اللبنانيين، أفراداً وجماعات. لهذا ينبغي أن يكون للدولة الحق الحصري في امتلاك القوة المسلحة. ولن تتمكن الدولة من استعادة حقها الا بتطبيق اتفاق الطائف والقرارات الدولية لا سيما القرار 1701 الذي وضع الأسس العملية للمحافظة على سيادة لبنان وحمايته من الاعتداءات الاسرائيلية والتجاوزات الحدودية. وينبغي الاقرار للدولة، وللدولة وحدها، بحق اتخاذ القرارات وتعيين الخيارات الوطنية التي تلزم مجموع اللبنانيين، من دون تدخل الخارج، أكان تدخله مباشراً أو بواسطة أحزاب أو ميليشيات تابعة له.

ثانياً: الدولة القادرة هي الدولة المدنية التي لا تخضع لصراعات الطوائف وأحزابها ولا يجري اقتسامها حصصاً بين من يدعون تمثيل طوائفهم. إنها دولة تستطيع التوفيق بين بعدين أساسيين في انتماءات اللبنانيين، البعد الفردي الذي تقوم عليه فكرة المواطنة، والبعد الجماعي الذي يعبر عنه التعدد الطائفي. فهي دولة:
[ غير طائفية، لا تمنح حقوقاً إلا للمواطنين، على قاعدة المساواة والعدالة اللتين بدونهما يغدو التنوع مصدر صراع يستجرّ عنفاً ينتهي بدوره الى إلغاء التنوع.
وغير علمانية بالمفهوم القديم للعلمنة -، لا تجد نفسها في حالة صراع مع طوائفها، ولا تُقْدم على اتخاذ قرارات من شأنها تهديد وجود الطوائف وحضورها الحر أو الإضرار بإرادتها في العيش معاً.
ان قيام دولة مدنية محرَّرة من القيود الطائفية يحرر الطوائف من "عقدة الخوف من الآخر" التي تقع في أصل كل السياسات الطائفية. بذلك لا يعود الآخر خصماً ينبغي مواجهته باستمرار لأنه يشكل خطراً وجودياً دائماً على الذات، بل يصبح عنصراً مكمّلاً وضرورياً للذات. ولا تعود الهواجس والمخاوف، من هذا المنظور الجديد، المحرك الأساسي للتاريخ اللبناني. 

ثالثاً: الدولة القادرة هي الدولة التي تحميها سلطة قضائية مستقلة باعتبارها:
[ شرطاً للنظام الديموقراطي الذي لا يقوم من دون سيادة القانون والمحاسبة والمساءلة وشمول العدالة كل فئات المجتمع بما في ذلك أصحاب السلطة.
شرطاً لضمان حقوق المواطنين من خلال كفالة الحريات العامة، وصون حقوق الانسان، وتأمين العدالة بين الناس.
[ شرطاً لحماية العيش المشترك من خلال صون الدستور، والحقوق السياسية العامة، واستبعاد أي شعور بالغبن أو الاقصاء.

رابعاً: الدولة القادرة هي الدولة التي تسيرها إدارة قائمة على قاعدة الكفاءة وخاضعة لرقابة تملك حصانة تمنحها دوراً كاملاً غير منقوص. وهذا ما يمكنها من انهاء الزبائنية القائمة على مبدأ توزيع مواقع السلطة ومواردها بين سياسيين ينصّبون أنفسهم ممثلين لطوائفهم، فينتزعون باسمها ولأنفسهم حقوقاً وخدمات يعيدون توزيع بعضها على المواطنين على قاعدة: "الخدمات مقابل الولاء".

خامساً: الدولة القادرة هي الدولة التي تؤمّن أوسع مشاركة للمواطنين في إدارة شؤونهم، وذلك من خلال آليات المشاركة التي نصّ عليها اتفاق الطائف والتي رفض نظام الوصاية تطبيق بعضها وأساء تطبيق بعضها الآخر. ويتطلب الأمر:
[ وضع قانون انتخاب عصري "يراعي كما جاء في اتفاق الطائف القواعد التي تضمن العيش المشترك وتؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل".
[ المشاركة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي من خلال المجلس الاقتصادي- الاجتماعي بعد إعادة تحديد دوره وتحديثه. 
[ المشاركة على الصعيد المحلي من خلال اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة التي نصّ عليها اتفاق الطائف وجعلها وسيلة فاعلة في تحقيق الانماء الشامل. 
[ المشاركة على الصعيد الاعلامي من خلال المجلس الوطني للاعلام بعد إعادة النظر في دوره ليكون وسيلة لتطوير الاعلام وزيادة فاعليته وقدراته التنافسية.

سادساً: الدولة القادرة هي الدولة الفاعلة في محيطها:
[ هي الدولة القادرة على المساهمة في المعركة الدائرة في عالمنا العربي للخروج من الاصطفافات السياسية والفكرية التي فرضتها الحرب الباردة طوال أكثر من نصف قرن، واستعادة حقه في أن يكون صاحب القرار في تحديد مصيره ومستقبله. 
[ هي الدولة القادرة على ملاقاة التحول الجاري في العالم العربي ودعمه. لقد بدأت ترتسم معالم نظام اقليمي عربي جديد وحديث بعيداً عن الديماغوجيا السابقة، وهذا التحول أكده "اعلان الرياض" الذي صدر في ختام القمة العربية في آذار 2007، والذي يضع للمرة الأولى "الأسس العربية" لثقافة الوصل في مواجهة ثقافة الفصل التي لا تزال تهيمن على المنطقة، وذلك بتأكيده أن "العروبة ليست مفهوماً عرقياً عنصرياً بل هي هوية ثقافية (...) وإطار حضاري مشترك قائم على القيم الروحية والأخلاقية والانسانية، يثريه التنوع والتعدد والانفتاح على الثقافات الانسانية الأخرى ومواكبة التطورات العلمية والتقنية المتسارعة...".
[ هي الدولة القادرة على طي صفحة الماضي مع سوريا وتطبيع العلاقات معها على قاعدة الاعتراف باستقلال لبنان واحترام سيادته من خلال تبادل السفارات وترسيم الحدود معه. 
[ هي الدولة القادرة على طي صفحة الماضي الأليم بين الشعبين اللبناني والفلسطيني، وذلك على القاعدة نفسها التي حددتها منظمة التحرير الفلسطينية في "اعلان فلسطين في لبنان" (كانون الثاني 2008) الذي شكل أول قراءة نقدية للتجربة الفلسطينية السابقة في لبنان، فاتحاً بذلك المجال واسعاً لحوار لبناني ـ فلسطيني في العمق وبخاصة أنه يعلن الالتزام "الكامل وبلا تحفّظ" بـ"سيادة لبنان واستقلاله في ظل الشرعية اللبنانية ومن دون أي تدخل في شؤونه الداخلية"، والتمسك بـ"حقّ العودة ورفض التوطين والتهجير"، والتشديد على أنّ "السلاح الفلسطيني ينبغي أن يخضع لسيادة الدولة اللبنانية وقوانينها وفقاً لمقتضيات الأمن الوطني اللبناني الذي تعرّفه وترعاه السلطات الشرعية اللبنانية".

سابعاً: الدولة القادرة هي الدولة التي تعمل لإحلال ثقافة السلام والعيش معاً والوصل مع الآخر محل ثقافة العنف والفصل التي لا تزال سائدة في لبنان والمنطقة والتي ترى أن توكيد الذات لا يتم الا باستبعاد الآخر المختلف وصولاً الى إلغائه أو استتباعه.

الاقتصاد والنمو 

تأسيساً على حتمية التلازم بين حماية النظام الليبرالي الديموقراطي والرفاه الاقتصادي والاجتماعي، يلتزم "تيار المستقبل" النظام الاقتصادي الحر والمنفتح الذي يقوم على مبادئ اقتصادات السوق، وتقاليد السياسات الودية تجاه القطاع الخاص، وذلك انطلاقاً من أن قوة لبنان ومبرر دوره المميز في الشرق، يرتكزان على حماية النظام اللبناني للحريات العامة بكل وجوهها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإعلامية، ولحقوق الملكية الخاصة، والسرية المصرفية وحرية التحويل، ولاستقلالية القضاء.
كما يعتبر "تيار المستقبل" ان الحفاظ على الاقتصاد الحر، يجب ان يترافق مع تفعيل دور الدولة في وضع شبكة امان اجتماعية تؤمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لكلّ فئات المجتمع دون استثناء.
لم تعد الثروات الطبيعية وحدها تتحكم بالمصير الاقتصادي لأي بلد، بل أصبح لدى الكثير من الدول القدرة المباشرة على تطوير واحداث ميزات تفاضلية جديدة، وأصبح للدول الصغيرة ذات الثروات الطبيعية الضئيلة كلبنان، مجالات واسعة للنمو والتقدم، الأمر الذي يوجب تحويل التحدي المستجد الى فرصة مفتوحة على الصعيدين الوطني والاقتصادي.
إن التحدي الأكبر والمستمر الذي يواجه لبنان حاضراً ومستقبلاً هو تفعيل الاقتصاد ليكون اقتصاداً تنافسياً يهدف إلى تأمين فرص عمل للمواطنين وتحسين المستوى المعيشي للبنانيين من خلال إلغاء معوقات النمو الاقتصادي وتعزيز سياسات الإنماء المتوازن.
إن نظرتنا لمستقبل الاقتصاد اللبناني ودوره الإقليمي والدولي، وللسياسات والإصلاحات المطلوبة لتمكينه من لعب هذا الدور، ترتكز على المبادئ والمنطلقات عينها التي ارتكزت عليها رؤية الرئيس الشهيد رفيق الحريري وهي:

أولاً: إن ميزات هذا الوطن الصغير وثروته البشرية العظيمة التي قلّما تمتع بها بلد بحجمه، تؤهله لأداء اقتصادي ومستوى معيشة لأبنائه أعلى بكثير مما هو عليه الحال الآن. إن تحسين مستوى المعيشة في لبنان هو طموح واقعي يتطلب ارتفاعاً مطرداً في حركة الاستثمار ومعدلات النمو الاقتصادي بما يؤدي إلى توفير وظائف منتجة وفرص عمل تتماشى مع المهارات والامكانات البشرية للبنانيين. وإذا كان طموح الشباب اللبناني غير المحدود قد جعل العالم كله سوقاً لمهاراته ونشاطاته وأثرى لبنان المقيم والمغترب على حد سواء، فإن الارتفاع الكبير في معدلات هجرة الشباب اللبناني في السنوات الأخيرة بسبب ضيق سوق العمل المحلي، يجعل من تحفيز النمو والاستثمار وزيادة حجم الاقتصاد وزيادة فرص العمل في الوطن الأم هدفاً أساسياً وملحاً ومسؤولية وطنية يقع واجب تحملها على الدولة والمجتمع الأهلي معاً.

ثانياً: إن السعي لتعزيز الاستثمار والنمو الاقتصادي يجب أن يكون شاملاً لجميع المناطق لكي يتحقق فعلاً وبشكل متوازن التحسن المرجو في مستويات المعيشة لجميع المناطق ولجميع فئات الشعب اللبناني. فإذا كان الوطن لجميع أبنائه، فإن الازدهار الاقتصادي الذي نطمح إليه هو أيضاً لجميع أبنائه.

ثالثاً: إن هدف تعزيز الاستثمار والنمو يجب أن لا يقتصر على قطاعات معينة أو أن يكون على حساب قطاعات أخرى، فللقطاعات الإنتاجية التقليدية من زراعة وصناعة دور مهم يجب تعزيزه. ولدى القطاع السياحي أيضاً متسع كبير للنمو المستمر والمطرد في السنوات المقبلة، كما أن هناك قطاعات أخرى واعدة وخصوصاً في نطاق المعلومات والاتصالات واقتصاد المعرفة وما يرتبط بها من صناعات خدماتية حديثة.

رابعاً: إن تحقيق هذه الأهداف في نظامنا الاقتصادي الحر يعتمد بصورة اساسية على نجاح الدولة في إفساح المجال للمبادرة الفردية ودفع العجلة الاقتصادية. وهنا تبرز الاولوية القصوى لعملية إصلاح ادارات الدولة كي تكون محفزاً للاقتصاد بدل أن تكون معيقة له وتبرز أيضاً أهمية إعادة النظر بالنصوص القانونية والاجراءات التي تعيق عجلة الاقتصاد ومحاربة الفساد. إن تحفيز النمو يتطلب اتباع سياسات مالية مسؤولة ومعالجة عبء الدين العام، بالاضافة إلى تحرير الاقتصاد من القيود التي تعيق استفادته الكاملة من العولمة المتسارعة، كاحتكار القطاع العام لعدد من القطاعات التي دفع الشعب اللبناني كلفة باهظة جداً بسبب احتكارها، وقطاع الكهرباء أوضح مثال على ذلك.

خامساً: إن دور الدولة في تحقيق اهداف الشعب اللبناني الاقتصادية لا يقتصر على إصلاح الإدارة وتوفير مناخ مؤات للقطاع الخاص لدفع عجلة الاقتصاد، فللدولة دور مباشر لا غنى عنه في عملية الانماء الاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك التخفيف من حالة الفقر لدى شريحة لا يستهان بها من المواطنين، واستنهاض المجتمع الأهلي والقطاع الخاص للمشاركة في ذلك. كما أن للدولة دوراً اساسياً ايضاً في توفير الضمان الصحي والخدمات الاجتماعية والتعليم لفئات واسعة من اللبنانيين.
إن ترشيد هذه الخدمات وتحسينها يتطلب عملية إصلاح حقيقية وفعالة.

سادساً: وإن كان للدولة دور مركزي في عملية التنمية بشكل عام، بما في ذلك إتمام البنية التحتية وصيانتها على مستوى الوطن ككل، إلا أنه يجب تشجيع القطاع الخاص للمشاركة في الاستثمار التنموي حيث أمكن، كما أن مجالات التعاون بين الدولة ومؤسسات المجتمع الأهلي والجمعيات الاغترابية والقطاع الخاص في نطاق التنمية يجب أن تستغل وتفعّل وخصوصاً في إطار التنمية الاجتماعية في المناطق.

سابعاً: إن الشباب اللبناني يشكل الثروة الحقيقية لاقتصادنا الوطني، وواجب الدولة تجاهه تحرير كامل طاقاته وإزالة العراقيل من أمام مبادراته الإنتاجية وتخفيض كلف مكوّناتها الأساسية وتسهيل حصوله على تمويل ملائم وفعال لها، وتشجيع انشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتفعيل دورها في الدورة الاقتصادية. كما على السياسات الاقتصادية أن تعترف بالدور المميّز للمرأة اللبنانية في الرأسمال البشري وفي الدورة الاقتصادية ككل، وأن تعزز هذه المساهمة بجميع الوسائل، وعلى رأسها السعي إلى المساواة الاقتصادية والفردية بين المواطنين والمواطنات وإلى أوسع مشاركة للمرأة اللبنانية كما للشباب اللبناني في عملية اتخاذ القرار ورسم السياسات.

ثامناً: إن إمكانات لبنان ومستقبله الاقتصادي يكمنان في ثروته البشرية. ومن هنا، فإن على الدولة أن تولي قطاع التربية والتعليم وتحديداً قطاع التعليم الرسمي أهميةً قصوى، وذلك لمماشاة التطورات العلمية ومتغيّرات أسواق العمل خصوصاً في مجال تكنولوجيا المعلوماتية وما تتطلبه تلك التطورات بالنسبة إلى المناهج والمهارات المطلوبة. لقد تميّز لبنان دوماً في المنطقة بمستوى التعليم فيه ويجب أن يبقى كذلك.

تاسعاً: إن الاقتصاد لا يمكن فصله عن البيئة وخصوصاً في بلد صغير ذي طبيعة مميزة كلبنان، ولقد عانت البيئة في لبنان في شتى المجالات والمناطق ولسنوات عديدة تارةً بسبب التسيب والتقاعس وطوراً بسبب الاستقواء على القوانين وفوضى العمران والتعدي على الثروة المائية وتقلّص المساحات الخضراء. لقد حان الوقت لوقف هذا النزف في طبيعة الوطن والشروع في برنامج متكامل لمعالجة الوضع البيئي تؤدي فيه المؤسسات الأهلية دوراً أساسياً.
عاشراً: إن تحقيق هذه الرؤية الاقتصادية يعتمد على إرادة اللبنانيين وإصرارهم على التعاون والعمل معاً لبناء الوطن الذي ينشدون.

الإصلاح والإدارة 

يحتل موضوع الإصلاح الإداري أهمية خاصة في توجهات وعمل "تيار المستقبل"، وهو أصبح منذ قيام دولة الاستقلال، عنواناً تكاد لا تخلو منه بيانات الحكومات، وخطابات القسم الرئاسية، وسائر البرامج السياسية للأحزاب والتيارات والحركات والنقابات المعنية.
لقد بقيت المحاولة الأساسية لعملية الإصلاح الإداري هي تلك التي خطها الرئيس الراحل فؤاد شهاب، إن من حيث إصدار التشريعات القانونية أو إنشاء المؤسسات العامة والرقابية.
غير أن هذه العملية قد نالها ما نال الكثير من المشاريع والخطط الرائدة وغرقت في وحول السياسة والأجهزة الأمنية، وفاقم في غرقها سقوط لبنان في الحرب الأهلية والحروب الإقليمية المتعاقبة، وانتشار ثقافة الفساد المنظم في الإدارة اللبنانية ومؤسسات القطاع العام، وانتهاك التنظيمات السياسية والمسلحة المواقع والوظائف فيها.
وإذا كانت الإدارة اللبنانية قد استردت جزءاً من عافيتها في أعقاب اتفاق الطائف، فإنها ما زالت تعاني من آثار الحرب وسيطرة منطق القوة والمحاصصة. وقد تعرضت المحاولات الإصلاحية المتكررة التي قادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ العام 1993، إلى ضربات موجعة تعاقبت على توجيهها رموز أساسية داخل السلطة وخارجها.
وأدى هذا الوضع إلى وهن في قدرة القطاع العام على تحمل مسؤولياته الكاملة، وإلى ترهّل وظيفي في معظم الإدارات، قابله عجز عن رفد الإدارة اللبنانية بالكفاءات الشابة وعن تحريرها من الأعباء الوظيفية والمالية التي أنتجتها الحرب.
من هنا برزت الحاجة إلى مشاركة القطاع الخاص في توفير بعض الخدمات العامة من خلال إدارة بعض المرافق كالكهرباء والهاتف والنقل والمطار والكازينو، وغيرها من القطاعات التي يفترض أن تؤمن مردوداً ثابتاً ودعماً إضافياً للخزينة، علماً بأن اللجوء إلى الخصخصة كأحد الحلول لمشاكل الدين العام ومعالجة التضخم الإداري، يقتضي وجود مؤسسات ناظمة للقطاعات المختلفة تضع الضوابط والتشريعات التي من شأنها حماية المصلحة العامة وتبت في ضرورة خصخصة قطاع أو عدمها.
إن "تيار المستقبل" مقتنع بأن الإصلاح الحقيقي والجدي للإدارة العامة يقتضي وجود قرار سياسي يضع المصلحة العامة فوق المصالح الطائفية والسياسية، ويترجم بمجموعة من التشريعات والنصوص التي تنتج إدارة متطورة، فاعلة وقادرة وتتيح المجال لتوظيف كفاءات المواطنين المقيمين وخبرات المغتربين.
ونرى في "تيار المستقبل" وجوب تفعيل الإدارة العامة من خلال اعتماد رزمة من الإجراءات، أهمها:

أولاً: ترشيق الإدارة العامة من خلال الخفض التدريجي لعدد العاملين فيها مع حفظ حقوقهم مما يؤدي إلى خفض كلفة القطاع العام.

ثانياً: تطوير الإدارة من خلال التدريب المستمر للعاملين، وتحديث القوانين التي ترعى عمل الإدارة العامة وتطبيق الهيكليات المنظمة لعمل الوحدات الإدارية.

ثالثاً: دعم كل السبل الآيلة للوصول إلى الحكومة الالكترونية، وتوسيع دور التقنية المعلوماتية واعتماد التحويل الالكتروني للوثائق والمعلومات بين تطبيق المكننة وإدخال نظم المعلوماتية على عمل الإدارة العامة، ما يسرع في عمل وحداتها وزيادة كفاءتها، كذلك الاحتكام المباشر مع المواطنين ما من شأنه خفض مخاطر الفساد وسد باب الرشوة المواطنين والقطاع العام، وذلك وفق جدول زمني مدروس ومخطط.

رابعاً: وضع نظام متطور وشفاف لاختيار العاملين في القطاع العام من أصحاب الكفاءة، ووضع نظام جديد للحوافز والترقية، واعتماد نظام تقييم موضوعي وعملي لأدائهم، ووقف تدخل السياسيين في عمل الإدارة. 

خامساً: تفعيل دور كل أجهزة الرقابة، والسماح للحكومة بإجراء مراجعة للحسابات العامة والحسابات الحكومية منذ العام 1990 إلى تاريخه.

سادساً: دعم وتنفيذ كل المشاريع في مجال اللاحصرية من خلال التوسع في صلاحيات الوحدات الإقليمية، واللامركزية من خلال تعزيز السلطات المحلية في مجالات التخطيط والتنفيذ.
إن مشروع تحديث الإدارة هو مشروع مشترك بين الدولة وجميع أجهزتها ومجالسها من ناحية، ومع قطاعات المجتمع الأهلي كافة من ناحية أخرى، ما يحقق الانسجام بين أهداف الدولة ومصالح القطاع الخاص والمجتمع الأهلي.

العدالة الاجتماعية 

إن الجمهور الواسع لـ"تيار المستقبل" ينتظر من الدولة اللبنانية مشروعاً يحقق العدالة الاجتماعية، ويدفع الدولة والمجتمع بكل قدراته وإمكاناته إلى وضع الإنماء المتوازن موضع التنفيذ.
ويندرج في هذا السياق الالتزام بالدعوة إلى العمل لتحقيق ما يأتي:

أولاً: تشجيع اتفاق العمال واصحاب العمل على خطة وطنية توفر الظروف المؤاتية لتكافل اجتماعي يرتقي بالمستوى المعيشي والحياتي لذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى ويعزز الإنتاج ويشجع على الاستثمار.

ثانياً: تكريس الرعاية الصحية كحق للمواطن وواجب على الدولة والمجتمع الأهلي. إن القطاع الصحي يعاني من أوجه خلل متعددة على مستوى الخدمات الصحية والفاتورة الصحية، وعلى مستوى كلفة الدواء، وتعدد صناديق الدعم الصحي الرسمي، وعلى مستوى علاقة المؤسسات الصحية مع الدولة وإداراتها المختصة أيضاً.
إصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بما يمكنه من أداء مسؤولياته تجاه المواطنين والمؤسسات المشتركة فيه.
وهذا كله، يرتب مسؤوليات أساسية على كل قوى المجتمع لمعالجة أوجه الخلل هذه وترشيد الفاتورة الصحية للبنانيين بما يوفر رعاية صحية شاملة بأقل كلفة ممكنة.

ثالثاً: تشجيع إنشاء المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم عن طريق تسهيل اجراءات تأسيسها وتوفير القروض اللازمة لها وضمانها من خلال مراكز خدمات لهذه المؤسسات.

رابعاً: تكريس التعليم بكل مستوياته كحق من حقوق اللبنانيين، والعمل على تأمينه للجميع على أساس تكافؤ الفرص.

خامساً: حماية حق المواطن في السكن والانتقال بالعمل لإنجاز قانون عصري للإيجارات يضع حداً للأزمة المزمنة بين المالك والمستأجر، ويتيح أمام ذوي الدخل المحدود وأبناء الطبقة الوسطى، تأمين مساكن بمواصفات مناسبة وفقاً لشروط مالية مؤاتية، كذلك العمل لتطوير شبكة النقل العام وتحديثها وتنظيمها بما يؤدي إلى تسهيل عملية التنقل بين المناطق اللبنانية المختلفة والحد من هجرة الريف إلى المدينة.

سادساً: تأكيد أهمية تشجيع الاستثمارات في قطاعات إنتاجية مثل الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات والاتصالات والإعلام والإعلان والمعلوماتية، وذلك بما يؤدي الى فتح مجالات عمل جديدة أمام اللبنانيين وأصحاب الاختصاص.

سابعاً: دعم المناطق الريفية عن طريق إنشاء بنك للتنمية الريفية بالاشتراك مع التعاونيات ومؤسسات القطاع الأهلي وتحويل الدعم الزراعي تدريجياً من دعم مباشر لبعض الأصناف الزراعية إلى دعم غير مباشر لدعم فرص العمل في الزراعة والصناعة الزراعية والحدّ من نزوح الريف إلى المدن الكبرى.

التربية والتعليم 

يؤمن التيار بضرورة وأولوية الاستثمار في التربية والتعليم وجعله في طليعة أهدافنا الوطنية وفقاً للأسس التالية:
[ حق كل مواطن ومواطنة بالحصول على الخدمات التربوية والتعليمية الجيدة والملائمة وذلك دون أي استثناء أو تمييز من أي نوع كان.
[ وضع استراتيجية وطنية للتربية تقوم على تأمين تعليم أساسه تكافؤ الفرص، وجودة النوعية، يساهم في الاندماج الاجتماعي، ويؤمن الدخول إلى عالم المعرفة، ويسهم إسهاماً فعلياً في التنمية الاقتصادية.
[ ان التربية هي المدخل الأساسي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وهي الاستثمار الأجدى في بناء مجتمع قادر على تأمين حاجات التنمية البشرية وقادر على الاستفادة من المتغيرات والتحديات الثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية التي تواجه وطننا وعالمنا اليوم.
[ ان المجتمع اللبناني المتنوع المعتقدات والانتماءات الثقافية المنفتح على المنظومات التربوية الخارجية المختلفة مجمع على مبادئ وقيم يضمنها الدستور اللبناني في اطار حرية التعليم التي لا تتعارض مع القوانين والأنظمة ولا تهدد السلم الأهلي.
[ تمكين التعليم الرسمي من تحقيق المنافسة الايجابية مع القطاع الخاص خدمة للمجتمع بكل شرائحه وتحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص وحق التعليم الجيد.
[ أهمية العمل لتعزيز المواطنة من خلال التربية في كل قطاعات التعليم ومراحله مع التشديد على دور التعليم الرسمي بوصفه قطاعاً مدنياً.
تبني سياسة تؤكد أهمية بناء قطاع مهني ذي نوعية واختصاصات ملائمة قادرة على المنافسة وتأمين حاجات سوق العمل المحلية والخارجية.
[ التأكيد على أهمية دور مؤسسات التعليم العالي، ويعتبر تنظيم هذا القطاع من أولويات تطوير "مخرجات" التعليم. ويشدد على ضرورة تطوير الجامعة اللبنانية عبر وضع قانون حديث ملائم لها يؤمن التعريف بمهامها وموقعها من نظام التعليم ودورها في المجتمع.

دور الشباب والموارد البشرية 

يؤمن "تيار المستقبل" بأن ثروة لبنان الأساسية تكمن في موارده البشرية، فهي الأساس في تعزيز مسيرة التنمية الشاملة وفي رفع مستويات النمو والتقدم في كل المجالات وعلى مختلف الصعد.

أولاً ـ الشباب: يحتل الشباب موقعاً متقدماً في عملية التنمية بأبعادها المختلفة، فهم المستقبل الواعد والقوة المحركة الأساسية للمجتمع ونبض التغيير والتقدم.
إن لشباب لبنان اولوية في البناء الوطني المستقبليّ، فالشباب هو بيئة العمل الجادّ للاستثمار في المستقبل، وهو الركيزة الأولى لتجديد الحياة السياسية وتجديد المؤسسات التربوية والرياضية والثقافية وهيئات المجتمع المدني من نقابات ومؤسسات اجتماعية ونسائية وثقافية. إن الشباب هم رهان المستقبل وعماده وقوته الدافعة لبناء لبنان. إن "تيار المستقبل" يرمز إلى الشباب وروح التجديد والمعاصرة، ولذا فإن للشباب دوراً اساسياً في جميع توجهات التيار ولا سيما في الاعداد لتوليهم زمام الأمور.
وبقدر ما يشدد "تيار المستقبل" على أهمية دور الشباب في صناعة المستقبل، يؤكد ضرورة وضع برامج ورسم سياسات تساهم في حل مشاكلهم من جهة، وتلبي اهتماماتهم وطموحاتهم من جهة أخرى، وتشرّع امامهم ابواب المشاركة في قيادة البلاد ورسم سياساتها العليا في السياسة والاقتصاد، وتشجع الكفاءات الشابة على خوض غمار الحياة العامة، ليكونوا جزءاً لا يتجزأ من قرار لبنان المستقبل، فمن حق الشباب الحصول على أفضل تعليم وفق أعلى معايير المعارف والاختصاص.
ومن حقهم ايضاً الحصول على الخدمات الاجتماعية والصحية والمشاركة في صنع القرارات وفي الحياة العامة وتولي المواقع القيادية في كل المجالات.
إن تحقيق التقدم والنمو والتحديث يعتمد على مدى ما يوجه إلى الشباب من عناية ورعاية وتنمية للمهارات والقدرات في إطار استراتيجية متكاملة تتعاون على تنفيذها مؤسسات الدولة والمجتمع المدني كافة.
ويرى "تيار المستقبل" أن طلاب لبنان في المدارس والمعاهد والجامعات هم الجسم الرئيسي للشباب اللبناني، والواجب نحوهم يقتضي رعايتهم اجتماعياً وصحياً وتربوياً سواء عن طريق تشجيع العمل النقابي الطالبي وإحياء الروابط والاتحادات وإقرار القوانين الناظمة لها، أو عن طريق تفعيل الضمان الصحي للطلاب واعداد صندوق وطني للمنح والقروض.

ثانياً ـ المرأة: ويؤمن "تيار المستقبل" بدور المرأة وقدراتها وامكاناتها وبضرورة معالجة قضاياها والنهوض بأوضاعها لأن ذلك يعني النهوض بنصف المجتمع ووضعه على قاعدة تطور غير مسبوق.
وحقوق المرأة من جوهر حقوق الإنسان وقيمة ثابتة من قيم الحرية والعدالة والمساواة ومبدأ أساسي في بناء المجتمع المتضامن والمتسامح، كما أنها سند قوي للتغيير والإصلاح، وعنصر فاعل في ترسيخ المسار الديمقراطي.
لقد أثبتت المرأة كفاءتها واقتدارها في ما تتحمله من مسؤوليات في كل المواقع في نطاق الشراكة الكاملة مع الرجل في العمل وفي الحياة العامة، فضلاً عن إسهامها في الإبداع والابتكار والانتاج الثقافي، وهذا ما يفرض على الجميع العمل لدعم مكانتها وتنمية مكاسبها وتعزيز حضورها في شتى المواقع والمسؤوليات.
إن تمكين المرأة من المشاركة في جهود التنمية كافة، خصوصاً في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، يتطلب توفير الأطر القانونية والإدارية للمشاركة ومنها تعديل قوانين وأنظمة العمل والضمان الاجتماعي بما يؤدي إلى توليها المناصب السياسية والإدارية على قدم المساواة مع الرجل، وزيادة نسبة تمثيلها في البرلمان وفي المناصب التنفيذية.
ولا شك في أن دعم تلك التوجهات يتطلب العمل على تكريس مبدأ تساوي الفرص بين الجنسين وتطبيق القانون والمواثيق الدولية لمساعدة النساء وتطوير فكرة المساواة القانونية والقضائية وإلغاء النصوص التمييزية في القوانين المختلفة ودعم النساء وتزويدهن بما يلزم من المهارات والمعارف والعلوم لتنمية قدراتهن.

ثالثاً ـ الاغتراب: ويدرك "تيار المستقبل" أهمية التعامل مع موضوع الهجرة والاغتراب وهجرة الأدمغة انطلاقاً من مصلحة لبنان واللبنانيين، ولكن أيضاً من واقع العصر وما فرضته العولمة من توسيع حرية انتقال الأفراد وانفتاح الأسواق بعضها على بعض وازدياد التنافس على اجتذاب الأدمغة والمبدعين.
وبقدر ما كانت الهجرة انعكاساً لسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية وغياب فرص العمل وشكلت نزيفاً لموارد لبنان البشرية، فإن النجاحات التي حققها الانتشار اللبناني في العالم قلص من سلبياتها، فبات الاغتراب اللبناني عنصر ربط وتبادل حضاري وثقافي بين لبنان والعالم، وساعدت مساهمات المغتربين ومداخيل العاملين اللبنانيين في الخارج والتي تبلغ زهاء ثلاثة مليارات دولار أي ما يقارب 10% من الناتج المحلي، في صمود لبنان في وجه أزماته الاقتصادية وفي دعم استقراره الاجتماعي. 
والمطلوب اليوم في مواجهة الهجرة، تحقيق جملة إصلاحات سياسية واقتصادية وتوفير مستمر لفرص العمل وبالمقابل تمتين التواصل والتبادل مع المغتربين فيما بينهم ومع وطنهم الأم (سفارات، خطوط جوية، الأطر الاغترابية الممثلة لهم) ودعمهم على كل الصعد ليشعروا بأن وطنهم معهم وإلى جانبهم كما هم مع الوطن.
إن غياب فرص العمل الملائمة والأوضاع السياسية وتقديم الولاء السياسي والمحاصصة الطائفية على الكفاءة والاختصاص وغياب مراكز الأبحاث والتطوير، أدت جميعها الى هجرة خيرة شباب وشابات لبنان إلى بلدان متقدمة وفرت لهم فرص عمل وإمكانات تطور علمي واكتساب خبرات جديدة.
إن مواجهة هجرة الأدمغة تكون بإزالة أسبابها من جهة وخاصة بإنشاء المؤسسات العلمية والبحثية ذات المستوى الرفيع، ومن جهة أخرى بالاستفادة منها وهي في المهجر عبر ربط شبكة العلماء والخبراء اللبنانيين في الخارج بالجامعات والمؤسسات العلمية اللبنانية وعبر الاستفادة من خبراتهم لتقديم الدعم التقني للدولة.
إن ثروة لبنان التي نشأت خلال القرن العشرين من خلال كونه بلداً مصدراً للعلوم والثقافات والحريات والصحافة، وكذلك من كونه مستشفى العرب ومطبعتهم وجامعتهم ومنتداهم وصحيفتهم وملجأهم إلى العديد من مظاهر النمو والارتقاء السياسي والاجتماعي، هذه الثروة يجب أن تبقى قوة للمجتمع اللبناني. وسيكون من الأهمية في مكان التركيز في كل حين على تجديد هذه النجاحات وتطوير رموزها وأهدافها ومؤسساتها.
لأن العدالة والحرية والديموقراطية وتعدد الأديان والثقافة والاغتراب والشباب والبيئة والسياحة والخدمات والتحصيل العلمي والاستقرار من مصادر الثروة في لبنان فإن التمسك بها وتحقيقها موضع اهتمام "تيار المستقبل"، تماماً كما حرصه على صون حيوية المجتمع اللبناني.
لقد رسمت تجربة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الخطوط العريضة لهذه التوجهات والرؤى، وهو الذي أطلق العنان لأحلامه العظمى وترجمتها بسلسلة من الانجازات في كل الميادين، وترك لبنان وصيّة غالية في وجدان اللبنانيين وحلماً يتجدد بعد كل محنة.
نحن في "تيار المستقبل"، نمسك بأطراف الحلم اللبناني من جديد ونتقدم نحو مشروع بناء لبنان الدولة المستقلة، لبنان السيد العربي الحر المستقل.