البيان التأسيسي ل "لقاء قرنة شهوان" من أجل حـوار وطني 30 نيسان 2001

وثائق لبنانية
30 نيسان 2001

إن الخوف على المصير لدى اللبنانيين في هذا الوقت بالذات لا يقلّ عما كان عليه أثناء الحرب. فأسباب هذا القلق المستمر تعود إلى شعورهم بأن عدداً من القضايا الكبرى التي تهدد مستقبلهم الوطني لا تزال عالقة بدون حل. وفي مقدم هذه القضايا:

 

عدم استكمال  المصالحة الوطنية الشاملة التي تشكل المدخل الصحيح لتحقيق الوفاق وتعزيز الوحدة الوطنية واستعادة الدولة سلطتها وثقة المواطنين بها.

 

استفحال الازمة الاقتصادية الحادة وعجز الحكومات المتعاقبة عن حلها، الامر الذي يفاقم الازمات الاجتماعية ويزيد من الهجرة الجارفة التي تتسبب بافراغ البلاد من معظم قواها الشابة والحية.

 

تصاعد الأخطار على لبنان والمنطقة بعد وصول شارون الى السلطة وتوقف مفاوضات السلام نتيجة تنكر اسرائيل للميادئ التي انطلقت على أساسها وشن حرب شاملة على الفلسطينيين بهدف القضاء على الانتفاضة في الاراضي المحتلة، مما يهدد بتكرار مأساة العام 1948، إضافة الى تنفيذ تهديداتها حيال لبنان وسوريا، واستمرار احتلالها لمزارع شبعا.

 

غياب الحوار الوطني حول قضايا أساسية تشكل ركائز التعاقد الوطني في ظل تجميد السلطة لآليات استعادة السيادة الوطنية.

 

بناء على ما تقدم، نتوجه، نحن الموقعين أدناه، إلى اللبنانيين وندعوهم  إلى حوار عاجل لبحث السبل الآيلة الى مواجهة الاخطار التي تهدد مستقبلنا الوطني وتثبيت وحدتنا الوطنية، على أن تتحمل الدولة مسؤولياتها في هذا المجال. وننطلق في دعوتنا هذه من المسلمات الآتية:

لبنان "وطن نهائي لجميع ابنائه"، وليس  دولة اصطناعية أو مجرد "ساحة" أو "ورقة"، له كامل الحق في الاستقلال والسيادة والقرار الحر اسوة بدول العالم كلها. وطالما أن هذا الحق الكامل يظل منتقصاً فإن لبنان لن يستطيع تجاوز الازمات التي تعصف به.

 

إن الحوار هو الخيار الاسلم، بل السبيل الوحيد لحل الخلافات بين اللبنانيين مهما بلغت حدتها، لا العنف، مهما تنوعت مبرراته. والحوار يعني قبل كل شيء الاعتراف بالآخر والتفاعل معه وقبول الرأي المغاير وعدم ادعاء احتكار الحقيقة. وما شهدناه في الآونة الاخيرة من تحركات مفتعلة ومظاهر منافية لمنطق الحوار لا يعبّر عن واقع العلاقة بين المسيحيين والمسلمين، انما يشكل محاولة يائسة للايهام بأن البلاد هي في خطر فتنة دائمة تجعلها في حاجة الى الوصاية. 

 

إن الإصلاحات الدستورية التي أقرت في العام 1990 والتي صارت جزءاً من دستور البلاد هي اصلاحات لا رجوع عنها، وهي جاءت تلبية لمطالب تحقيق المشاركة الفعلية في السلطة. ومن شأن هذه الاصلاحات انهاء منطق الثنائيات الطائفية في الصيغة ومنطق الاستقواء بالخارج لتحقيق مكاسب في الداخل.

 

إن الدولة التي يريدها اللبنانيون قائمة على المشاركة، ليست مجالاً مفتوحاً للاستباحة والمحاصصة، انما هي دولة قادرة على رعاية صيغة العيش المشترك وحمايتها وتطويرها مواكبةً للعصر، فاعلة في تنظيم شؤون المواطنين، مرتكزة على إدارة حديثة محررة من القيد الطائفي تعتمد الكفاءة والشفافية، تتمتع مؤسسات الرقابة في إطارها بحصانة واسعة، وكل ذلك بضمان سلطة قضائية مستقلة.

 

إن إسرائيل تشكل مصدر الخطر الرئيسي على الشعب والارض. ونجاح المقاومة، وسط احتضان وطني وشعبي، في الحاق الهزيمة بالمحتل، تحريراً للارض، انما هو برهان إضافي على أهلية لبنان واللبنانيين في البقاء والعيش المشترك، واسهامهم الرفيع في حياة العرب. غير أن هذا النجاح لن يكتمل الا اذا عادت مؤسسات الدولة الى الجنوب المحرر، وخصوصاً مؤسسة الجيش، حماية للشعب والارض وتجسيداً لعودة الجنوب الى رحاب الوطن جزءاً لا يتجزأ منه وفاعلاً فيه.

 

إن بقاء العلاقة مع سوريا على ما هي عليه من شوائب ونواقص يعود بالضرر على البلدين معاً، وهو أمر مرفوض من اللبنانيين الذين يجمعون على قيام أفضل علاقات الأخوة بين البلدين  والمحافظة على ما بينهما من روابط تاريخية، وبين شعبيهما من وشائج وصداقة ومصالح مشتركة. ولن تتحقق هذه الغاية الا اذا  استرد لبنان كامل استقلاله وسيادته وقراره الحر. إن المعادلة التي تحكم العلاقات بين البلدين يجب أن تقوم على الجمع بين أقصى درجات التضامن والتعاون وأوضح مقومات السيادة والاستقلال. وهذه المعادلة في حال إقرارها هي التي تفسح في المجال أمام الوصول الى "تسوية تاريخية" تضمن استقرار البلدين وتؤسس لعلاقات تعاون سليمة ودائمة.

 

إن علاقة لبنان بمحيطه العربي لا يجوز أن تقوم على الخيار المحتوم بين الغاء الذات أو العداء. فلبنان لم ولن يتخلف يوماً عن أداء دوره في تجديد العروبة وجعلها رابطة حضارية طوعية، منفتحة على العصر، خارجة عن سياسة الاستتباع التي دفع لبنان ثمنها غالياً، وقائمة على ديموقراطية تأخذ في الاعتبار تنوع المجتمعات العربية وتعددها السياسي وتعزز قدراتها على مواجهة تحديات العصر وبلورة مشروع مستقبلي يؤمن للعالم العربي وجوداً فاعلاً ومميزاً في حوار الحضارات.

 

انطلاقاً من هذه المسلمات ودرءاً للاخطار التي تتهدد الوطن، ندعو اللبنانيين الى العمل المشترك لتحقيق الاهداف الاساسية الآتية:

 

دفع السلطة المؤتمنة على الدستور العمل على تنفيذ احكامه واستعادة السيادة الوطنية كاملة من خلال تطبيق اتفاق الطائف، ولا سيما لجهة بند إعادة انتشار القوات السورية تمهيداً لانسحابها الكامل من لبنان وفقاً لجدول زمني محدد.

 

حماية الديموقراطية وتفعيلها على قاعدة أن الشعب هو مصدر كل السلطات، وذلك بتأمين استقلالية القضاء واحترام حقوق الانسان  ووضع قانون انتخاب جديد يؤمن صحة التمثيل ، إضافة الى صون الحريات العامة والفردية والحد من تدخل الاجهزة في المجالات كافة.

 

استكمال المصالحة الوطنية الشاملة وتأمين عودة المنفيين واطلاق المعتقلين السياسيين وفتح صفحة جديدة في حياة اللبنانيين، الامر الذي  يساهم مساهمة كبيرة في بلورة حياة سياسية سليمة ومعالجة الأزمة الاقتصادية الخانقة وحماية الاستقرار في البلاد.

 

دعم نضال الشعب الفلسطيني من اجل استرجاع حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منعاً للتوطين، مع تأكيد مسؤولية المجتمع الدولي واسرائيل في ايجاد الحل العادل والشامل لقضية اللاجئين.

 

العمل على صياغة مشروع عربي لسلام عادل وشامل يحافظ على الحقوق العربية ويؤسس لنظام اقليمي عربي حديث يشكل اطاراً سليماً للتعاون بين الدول العربية ومواجهة تحديات السلام ومقتضيات العولمة، وذلك من خلال تنسيق على قاعدة التكافؤ والاحترام المتبادل بين لبنان وسوريا وسائر الدول العربية.