بيان لقاء قرنة شهوان حول احداث 11 ايلول وتجديد دور لبنان

وثائق لبنانية
16 تشرين الثاني 2001

16 تشرين الثاني 2001

 

 

في 30 نيسان 2001، أطلق "لقاء قرنة شهوان" "دعوة الى الحوار" تركزت حول مسائل أساسية  تتعلق باستعادة السيادة الوطنية الكاملة وتفعيل الديموقراطية واستكمال المصالحة الوطنية، إضافة الى مسألة ايجاد تسوية عادلة وشاملة للنزاع العربي-الاسرائيلي.

لاقت هذه الدعوة تجاوباً ملحوظاً لدى الرأي العام  وعدد كبير من الاطراف السياسيين، وحصلت لقاءات وحوارات متعددة ساهمت في خلق مناخات جديدة، كان من أبرز نتائجها المصالحة التاريخية التي انجزت اثناء زيارة غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الى منطقة الجبل.

كما خاض "اللقاء" معركة قاسية للدفاع عن الديموقراطية والحريات بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها أجهزة السلطة في أعقاب مصالحة الجبل. ولا يزال "اللقاء" يطالب بوقف الملاحقات والافراج عن الدكتور توفيق هندي ورفاقه المعتقلين منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

وعلى أثر احداث 11 أيلول 2001, والمتغيرات التي نتجت منها، عقد "اللقاء"، بتاريخ 16 تشرين الثاني 2001، خلوة بحث فيها خطة تحرك وأصدر البيان الآتي:

 

أولاً: كان من شأن الإعتداءات الإرهابية التي حصلت في الولايات المتحدة في 11 أيلول 2001 والتي سبق للقاء قرنة شهوان أن استنكرها وادانها بشدة، ادخال العالم في دوامة عنف خطيرة. فالولايات المتحدة التي تعرضت للمرة الأولى في تاريخها لاعتداء طاول عمقها الحيوي، وضرب رموز قوتها الإقتصادية والعسكرية، أعلنت حرباً شاملة على الارهاب والدول التي تدعمه وتؤمّن له ملاذا. إن هذه الحرب تحمل أخطارا كبرى. ولعل الخطر الأكبر الذي قد تتمخض عنه، هو إحتمال إنزلاقها بحيث تتحول الى صراعات قد تحدث فرزاً جديداً في العالم يحل مكان الفرز الذي كانت قد أحدثته الحرب الباردة والذي انتهى مع سقوط جدار برلين في العام 1989.

 

ثانياً: ساهمت الاحداث الاخيرة في دفع الازمات الكامنة في العالم العربي والعالم الاوسع الى حدها الأقصى. من هذه الازمات:

 

أزمة العالم العربي مع الغرب بسبب سياسة "الكيل بمكيالين" التي أعتمدها منذ زمن بعيد: تطبيق قرارات الامم المتحدة في حق العراق رغم ما تلحقه من خسائر فادحة في صفوف المدنيين، وعدم تطبيقها عندما يتعلق الأمر باسرائيل، إدانة الانتفاضة في فلسطين وتصنيفها في خانة الارهاب والتساهل ازاء الارهاب المنظم الذي تمارسه اسرائيل، مكافحة انتشار اسلحة الدمار الشامل في الدول العربية والسكوت على امتلاك اسرائيل السلاح النووي …

 

الازمة الناجمة عن العجز العربي حيال بلورة مشروع حضاري يؤمّن مصالحة المجتمعات العربية مع الذات ومع العصر.

 

المشكلات الناجمة عن ملامح النظام العالمي الجديد الذي يفتقر الى التوازن والعدالة، والعولمة في توجهاتها التي باتت تختزل كل مجالات النشاط الانساني بمنطق آليات السوق والتي أعادت فرز العالم بين قلة من المستفيدين وغالبية من الخاسرين تعاني التهميش والفقر وترزح تحت الديون.

 

ثالثاً: يتخوف اللبنانيون من أن تتحول الحرب على الإرهاب الى صدام بين مجموعات بشرية كبرى، تستنفرها مفاهيمها وإنتماءاتها الى نظم دينية وثقافية مختلفة، ويخشى أن يكون لهذا الصدام انعكاساته السلبية على لبنان وصيغة عيشه.

 

رابعاً: يؤكد "االقاء"، بناء على ما تقدم، أن للبنان دوراً بالغ الاهمية في ترجيح خيار الحوار والتفاهم للبحث عن حلول تحفظ الحقوق المشروعة للجميع، وذلك على أكثر من صعيد:

 

على الصعيد العربي، حيث أن لبنان مهيأ، بسبب تجربته التاريخية، للمساهمة في مصالحة المنطقة العربية مع ذاتها ومع العصر. فاستعادة معنى لبنان لا توفر ضماناً لمستقبل اللبنانيين فحسب، بل تشكل ضرورة لمحيطهم. من هنا ينبغي العمل على تجديد دور لبنان وجعل التجربة اللبنانية في صيغتها المتجددة نموذجاً يمكن الإفادة منه في العالم العربي بوصفه نمطاً حضارياً في البحث عن العيش المشترك والترقي في مجتمعات تتميز بالتنوع والتعدد.

 

على الصعيد العام، حيث يمثل لبنان حاجة مستمرة لتفاعل خلاّق بين الديانات، يمنح أبناءهما فرصة الإغتناء الروحي المتبادل من خلال العيش المشترك المؤسس على الحرية والمساواة، والقائم على التنوّع في إطار وحدة تحترم الإختلاف. إن المسيحيين في لبنان والشرق العربي مدعوون في شكل خاص الى مواجهة النزعة المستجدة في الغرب والتي تنظر الى المسلمين كأنهم يشكلون تهديداً، وتؤدي الى رسم حدود دامية بين المسلمين والمسيحيين. كما أن المسلمين في لبنان والعالم العربي مدعوون للتصدي الى نظرية الحرب الدينية التي يدعو اليها بعض المتطرفين.

 

خامساً: إن تجديد دور لبنان في هذه الحقبة التاريخية يحتاج الى العمل على إحياء صيغة التفاعل الانساني التي عرفها وعلى تطويرها. ولقد قدّم لبنان تجربة حضارية مميزة على صعيد العيش المشترك والانفتاح الانساني. فقد استطاع أن يكون فسحة مميزة يختبر فيها الانسان قدرته على التفاعل مع الآخر، واستيعاب التنّوع، وإعادة صياغته، مقدّما" بذلك نموذجاً يُحتذى به ومساهمة حقيقية في إغناء الحضارة العربية والانسانية عموماً.

 

إن هذه التجربة الحضارية جاءت نتيجة تفاعل الاطراف اللبنانيين فيما بينهم، وهي ليست إنجاز جماعة دون أخرى.

 

 سادساً: إن احياء صيغة العيش المشترك على أسس صحيحة وتجديد دور لبنان، يحتاجان الى قيام دولة الحق والسيادة. كان مأمولاً، بعد انتهاء الحرب، أن تقوم مثل هذه الدولة وأن تشكل عامل اطمئنان للجميع. غير ان الممارسة جاءت منافية لوثيقة الوفاق الوطني وأحكام الدستور، مما أدى الى توجيه ضربة قاسية إلى مفهوم دولة الحق والسيادة.

 

ولا بد لنا من إعادة التأكيد أن بناء دولة الحق والسيادة التي نص عليها الدستور والتي تقوم على مبدأ أن الشعب هو مصدر السلطات، اصطدم أيضاً بعقبة رئيسية أخرى تمثلت بالتدخل السوري في لبنان وما ترتب عليه من دور حاسم في انتاج السلطة اللبنانية.

 

وهذا الخلل في ممارسة السلطة منذ العام 1990 أدى الى فشل كل المحاولات التي بذلت لبناء دولة الحق والسيادة. فتسبب في تعطيل عمل المؤسسات الدستورية وشل عمل القضاء ومؤسسات الرقابة. كما أنه أفسح في المجال أمام استباحة الدولة، وصولاً الى تعميق الأزمة الاقتصادية التي أوصلت البلاد الى شفير الافلاس وفرضت على اللبنانيين أعباء إضافية قضت على آمالهم في حياة فضلى.

 

سابعاً: إن دولة الحق والسيادة هي اليوم حاجة ماسة على أكثر من صعيد:

 

إنها حاجة ماسة لحماية صيغة العيش المشترك من انعكاسات الاحداث المتتالية منذ 11 أيلول 2001، وتطويرها لجعلها نموذجاً يقتدى به.

إنها حاجة ماسة للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة انطلاقاً من: محاربة الفساد ومشاركة المجتمع وتأمين الشفافية واحترام حقوق الانسان وقيام سلطة قضائية مستقلة، واصلاح الادارة ...

إنها حاجة ماسة لتجنب خطر الصدام مع المجموعة الدولية وخصوصاً مع الأمم المتحدة بعد صدور قرارات تتعلق بمكافحة الارهاب ومصادر تمويله.

 

ثامناً: بناء على ما تقدم، وانطلاقاً من روح المسؤولية الوطنية، يتوجه "لقاء قرنة شهوان" الى السلطة لتقوم باتخاذ تدابير عاجلة لصون الوضع اللبناني ومعالجة المشكلات التي تواجه البلاد، لا سيما تلك المتعلقة بالنتائج المترتبة على الاحداث الاخيرة. فلبنان اسوة بباقي الدول مدعو للالتزام بمحاربة الارهاب، كما نصت على ذلك القرارات الدولية، مع تأكيده على التمييز بين الارهاب والمقاومة التي ناضلت من أجل تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي.

 

إن المهمة الملقاة على عاتق السلطة تقتضي:

 

الارتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية وتوحيد الموقف من تداعيات الاحداث الاخيرة ووضع خطة متكاملة لمواجهتها.

إعادة تأهيل نفسها والتصدي لعناصر الفساد التي أعاقت مسيرة بناء دولة الحق والسيادة وشوهت صورة لبنان في الداخل والخارج.

رفع اليد عن القضاء لجعله سلطة مستقلة وفقاً لاحكام الدستور.

إعادة مؤسسات الدولة الى الجنوب، وخصوصاً مؤسسة الجيش، حماية للشعب والارض، وتجسيداً لعودة الجنوب الى رحاب الوطن، كما سبق وطالب "اللقاء" في وثيقته تاريخ 30 نيسان 2001.

العمل مع سوريا على ترسيم الحدود في منطقة مزارع شبعا وإيداعه الامم المتحدة وفقاً للاصول الدولية المتبعة.

طي صفحة الماضي وإعادة العمل بقانون العفو الذي خرقته السلطة والافراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وتأمين عودة جميع المبعدين وذلك تأسيساً لمصالحة وطنية حقيقية.

 

تاسعاً:  يرى "لقاء قرنة شهوان" ضرورة تصحيح العلاقة القائمة بين لبنان وسوريا واخراجها تالياً من دائرة الجدل كي لا يفسح في المجال أمام أحد، وخصوصاً في هذا الظرف الخطير، لاستغلال المشكلة القائمة بين البلدين، وذلك انطلاقاً من التسوية التاريخية التي سبق ل "لقاء قرنة شهوان" أن أشار الى ضرورة تحقيقها في وثيقته الصادرة في 30 نيسان 2001.

 

يرى "اللقاء" أن هذه التسوية وما يترتب عليها من إعادة انتشار للجيش السوري تمهيداً لانسحابه الكامل من لبنان وفقاً لجدول زمني محدد – وهذا ما كانت سوريا قد أعلنت عن بدء تنفيذه في حزيران الماضي - هي المدخل الضروري لتصحيح العلاقة بين البلدين، ذلك أن ضمان سوريا ليس في الامساك بالأمن والسياسة في لبنان والاعتماد على فئة سياسية ساهمت مساهمة أساسية في تأليب الناس عليها بسبب سوء إدارتها للشأن العام وفسادها، انما هو في وجود دولة الحق والسيادة في لبنان التي هي، من خلال مؤسساتها، الوحيدة القادرة على اعطاء العلاقات اللبنانية-السورية طابعاً مميزاً ودائماً.

 

عاشراً: إن الاستقرار في المنطقة رهنٌ بقيام دولة الاستقلال في فلسطين وعاصمتها القدس, وهو الأمر الذي يشكل الاساس، مع استعادة الجولان ومزارع شبعا، في قيام سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط، وفقاً للقرارات الدولية مما يحول دون توطين الفلسطينيين في لبنان.

 

إن الاشارات الآتية من عواصم القرار في الغرب حول تجديد العمل لايجاد تسوية للصراع العربي-الاسرائيلي هي إشارات ايجابية، شرط تحويلها الى مشروع سلام يأخذ في الاعتبار ضرورات السلام العادل والشامل.

 

حادي عشر: إن قيام السلام العادل والشامل ودولة الحق والسيادة في لبنان هو شرط أساسي لاستعادة لبنان دوره الفاعل في محيطه العربي وفي العالم الاوسع وذلك عبر:

 

§         تفعيل العروبة على قاعدة تحريرها من الاختزالات التي شوهتها وتطويرها لجعلها رابطة حضارية، منفتحة على العصر، وقائمة على ديموقراطية تأخذ في الاعتبار تنوع المجتمعات العربية وتعددها السياسي، وتعزز قدرات المجتمعات العربية على مواجهة تحديات العصر.

§         إطلاق دينامية حوار لإعادة وصل ما انقطع بين العالم العربي والغرب والتواصل مع القوى والاتجاهات الغربية التي ترفض الفرز الجديد الذي نتج من العولمة بشكلها الراهن والتي ترى أن مستقبل الانسانية أصبح اليوم مستقبلاً مشتركاً تقع مسؤولية رسمه على الجميع من دون تمييز.

 

إن لبنان يمتلك طاقات كبيرة في الداخل وفي الاغتراب تؤهله الى الاضطلاع بدور أساسي في هذا التحول المطلوب على صعيد المنطقة, شرط أن يستعيد سيادته واستقلاله وقراره الوطني الحر.