نداء الامام الصدر الى اللبنانيين بمناسبة عيد الفطر

وثائق لبنانية
10 كانون الأول 1969


أيها المسلمون،
مرة أخرى نودع شهر رمضان المبارك الذي عز علينا فراقه، وندخل في رحاب عيد الفطر السعيد، بعد ان تكرر مرات ومرات هذا الوداع وهذا الترحاب، وسيتكرر باذن الله.
وعند المحاسبة، نرجو ان نكون قد بلغنا درجة النضج وتجاوزنا قشور هذه الشعائر الإلهية الخالدة. وان نكون قد عرفنا ان الصيام والصلاة والعيد، ليست طقوساً مفروضة نقدمها تكريماً لله ونؤديها ضرائب للغيب بل انها محركات ودوافع تجدد قوة الاندفاع في الحياة الصحيحة، وتصحح الانحراف والخطأ في السلوك الانساني.
لقد بلغنا مرحلة نعرف ان تفكر ساعة خير من عبادة سنوات، وان التأمل في الشعائر والانتباه الى الدوافع، ذلك الذي سماه الشرع المطهر بالنية، هو جوهر العبادة ومحتوى الاعمال الحقيقي.
ايها المحتفلون بالعيد،
لقد خرجتم من دورة رمضان التدريبية اقوياء في العزيمة، اشداء على تحمل الصعوبات والمحن، صامدين امام الاهواء والمغريات.
ولقد تخرجتم من مدرسة رمضان الالهية بعقول صافية تشتاق الى المعرفة، وبقلوب طاهرة تهفو الى ذكر الله وتحسس آلام المعذبين والمحرومين.
ولقد علمكم الصيام كيف يكون الاخلاص للعقيدة وكيف تكون صيانتها في السر والعلانية. والآن، في يوم العيد تنطلقون الى الحياة بأتم الاستعدادات لكي تصنعوا مجتمعاً كريماً منيعاً ينمو فيه العطاء وتتعاظم الكفايات ويذوب فيه الفساد والرياء، مجتمعاً يقذف الكسل والفوضى ويجتذب الجدية والاحساس بالمسؤولية.
انكم مدعوون الى بناء وطن ملؤه الجمال والنزاهة، يعتمد على العلم والتنظيم ويقوم على اساس التحسس بآلام الكادحين والمظلومين وعلى التفاني في خدمتهم ورفع الحيف عنهم.
أيها الاخوة،
لقد كنا منذ ايام في رحلة الى بدر الكبرى، فسمعنا نداء الله "واذكروا اذ انتم قليل مستضعفون في الارض تخافون ان يتخطفكم الناس" (الانفال/26). سمعنا وتذكرنا واقعنا الأليم وتآمر ذي البغي والضلال علينا وتحالف الصهيونية والاستعمار ضدنا، ثم سمعنا نداء يؤكد "فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون" (الانفال/26).
وقد شهدنا معركة حنين في رمضان "ويوم حنين اذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الارض بما رحبت ثم وليتم مدبرين" (التوبة/25). شهدنا معركة حنين هذه وتذكرنا معركة حزيران التي اكتوينا بنارها ثم عدنا فرأينا عناية الله ونجاح مساعينا وانتصارنا اذ نستمع لقول الله تعالى "ثم انزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين" (التوبة/ 26).
ودخلنا ايضاً مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتأديب الله: "اذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله افواجاً فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان تواباً" (سورة الفتح).
لقد عشنا في رمضان ايضاً ذكريات شهيد المحراب وقربان العدالة علي بن ابي طالب عليه السلام، وواسينا احزان الرسول عام الحزن، وفي الثلث الاول من رمضان حينما مات ابو طالب ناصره وحاميه وتوفيت ام المؤمنين خديجة الكبرى، ولاحظنا تأثير المرأة المؤمنة المجاهدة في حياة الامة.
وادركنا اخيراً ليلة القدر العظيمة التي جعلها الله خيراً من الف شهر، وجعلناها بأمر من الله ساعة التوبة والدعاء ونقطة البداية في حياتنا الجديدة، وليلة القدر مصير مشرق يتناسب مع ماضي امتنا المجيد ويكون استمراراً حقيقياً له.
ايها اللبنانيون،
ها هم اخوانكم تدربوا في رمضان، وتجهزوا بقلوب طاهرة مليئة بالمحبة وبعقول نيرة مزودة العبر، وبعزيمة صارمة مخلصة استعداداً لبناء لبنان الوطن القوي. وهم يمدون ايديهم لكم ليتعاونوا معكم في الدفاع عنه وفي عمرانه وتحسين اوضاعه فمدوا اليهم ايديكم المخلصة وتعاونوا في جبهة واحدة متراصة، واستعدوا لعودة المخلص يوم ميلاده لكي تصرخوا جميعاً في وجه المعتدين الصهاينة "هذا بيت ابي مكان للعبادة وانتم جعلتموه مغارة للصوص".
ايها الاعزاء،
ان الوطن يعيش في ضمائر ابنائه قبل ان يعيش في الجغرافيا والتاريخ. ولا حياة للوطن بدون الاحساس بالمواطنية والمشاركة. وهذا يجب ان يبرز بصورة واضحة وسريعة ودائمة في ترفعكم عن العائليات والاقليات والطائفيات والحزبيات.
ان تدوي في لبنان أصوات من الشمال تدافع عن حقوق المواطنين في البقاع، وان ترتفع صرخات في الجبل تعيد الحياة العمرانية والمساعي الدفاعية الى الجنوب، وان تسعى العائلات والافراد المكتفية بصورة خاصة لرفع مستوى حياة الكادحين والمحرومين، وان تنادي وتطالب طائفة وتشجب التمييز الطائفي الذي يمارس بالنسبة الى غيرها، هذه هي المواطنية الحقة وهذه وسيلة بقاء اي وطن.
انتم ايها المجاهدون الفلسطينيون، لقد شرفكم الله وفضلكم بأن تقضوا العيد في الخنادق وفي ساحات القتال. فاطمئنوا اننا في هذه الايام وفي كل يوم معكم قلباً وفكراً ولساناً ويداً. نؤيدكم ونناصركم وندفع عنكم الأذى ونسمع صوتكم للعالم. انتم مشاعل طريقنا الشاق الى النصر، انتم طلائع جيشنا وحماة مستقبلنا، انتم تنيرون الدرب بزيت دماؤكم، وتبعثون الامل والقوة ببذل مهجكم وارواحكم.
أيها الاخوة،
ان الطاقات والامكانات التي وهبها الله تعالى للبنان كثيرة جداً في داخل لبنان وخارجه. ولقد تعلمنا في شهر رمضان المبارك وفي تعاليم الاديان المقدسة ان شرف هذه الطاقات وبركتها هو بأن يستعملها الانسان في خدمة اخيه، لا باحتكارها وتجميدها، ولذلك فسوف يسعى ابناء هذا البلد بتجنيد طاقاتهم كلها لخدمة قضية العرب الكبرى، قضية فلسطين.
وسوف يجندون هذه الطاقات لكي يدخلوا الاستقلال والحرية في كل بيت، ولكي يوصلوا العلم والعمران الى كل قرية، ولكي يحافظوا بكل قوة وعزم على كل منطقة وعلى الجنوب بصورة خاصة.
وأيها العيد،
هكذا وبالآمال العريضة نستقبلك ونرى فيك مع فرحة الافطار، فرحة ارواحنا بلقاء الله. ونعاهدك على اننا نستعد اذا لزم الأمر لادراك فرحة اللقاء بالشهادة لحماية بلادنا، وللمشاركة في تحرير اراضينا المغتصبة، والله الموفق المعين، وكل عام وانتم بخير.

نداء الامام الصدر الى اللبنانيين بمناسبة عيد الفطر – جريدة "الجريدة" – 10/12/1969)
الحركة الثقافية – النبي شيت