من ١٤ آذار الى سيّدة الجبل، تيّار عابر للطوائف في مواجهة الإحتلال الإيراني..

قد تكون هذه آخر الكلمات في ما كنّا نُصَدّق أنها ثورة، وما اعتقدنا يوماً أنها تلك الإنتفاضة، واللقاء في شراكة ضد الإحتلال، ربما، لن أكتب في هذه القضية مرّة أخرى، وربما، لن أذكرها رغم مرارة أن تنسى الجزء الأعَز في عمر من النضال..
هذا لا يعني أن تلك الثورة ما قامت، ولا أن اللقاء لم يحصل، إنما كثيرة هي الأسباب التي تمنع العودة بالذاكرة الى زمن أحرق المراحل والإنجازات، تاركاً وراءه مليون ونصف مليون ضحية، وساحة، لاتزال حتى اللحظة، تستعرض المشهد في صباحاتها، وكل أمسياتها، بنفس الألم، كما يوم اجتمع ناسها حول الشهداء، وأجمعوا بعدها على الإستقلال، ورحيل عسكر النظام السوري عن لبنان.
ليس سهلاً أن يغيب الكلام عنك، وليس سهلاً أن يُصبح من الماضي ما كان هدفاً، ولكن، ما باليد حيلة حين يُجمع نفس الناس أن القرار في يد قياداتهم وزعاماتهم، وتُجمع القيادات والزعامات نفسها، أن غدهم عودة الى نفس الماضي، وأن لا ضرورة لرفع الوصاية، والبلاد أفضل حالاً بإدارة المحتل، يظن البعض، وهم أغلبية، للأسف، أن في هكذا معادلة مبالغة، وأن في الأفق بدايات تفاؤل وحلول، وما يطفو على السطح هو الحقيقة..
كارثة، فالغرق يُحقّق أعمق منسوب أمكنه الوصول إليه منذ عهود، وفتاوى حقوق الموارنة تفتح الأبواب واسعة على تحوّلات كبرى، تداعياتها أبعد بكثير من نتائج مرجوة، بات إكرامها دفنها.
سنوات مرّت، والحقيقة، أن الذين انقلبوا على تلك الحالة الوطنية الحرّة، كانوا أقرب الأقرباء..
وكأن مصالحهم بعد المراجعة، اقتضت إسكاتها، إسقاطها، وخوض الخواتيم في المقلب الآخر، ببساطة لا جدل حولها، انتقلوا هم أيضاً الى أحضان المرشد، احتضنوا خطابه، وسلّموه البلد.
يقول بعضهم أن حزب الله استدرج الجميع الى مربعه الطائفي وخياراته..
وبعض آخر، بالتأكيد رأيه أرجح:
أن الذين استُدرجوا، ”كرجوا“ بإرادتهم وبكامل وعيهم، وعن سابق تصوّر وتصميم وأطماع، الى حيث أرادوا.
على الرغم من هذه الصورة القاتمة، هناك مَن لايزال يؤمن أن بالإمكان المواجهة، وأن الأوان لم يفت بعد.
هناك مَن لايزال يؤمن بشراكة ندّية حقيقية، غير خاضعة لشروط حماية من أي أحد، إلا شروط الدولة اللبنانية، وحدها، بمؤسساتها وسلاحها، ومن دون أي خضوع لأي أمر واقع، او فائض قوّة، أياً يكن حجمه..
قد يكون على حق، وقدرة، وقد يكون على حق، وغير قادر، إنما يؤمن بأن هذا الوطن يستحق المحاولة، لابل يستحق المجازفة.
لفاء سيّدة الجبل يُحاول بلورة كتلة لبنانية، لغتها الرسمية الوحيدة:
”الدولة وسيادتها، الدستور، حقوق الإنسان والقرارات الدولية، العيش المشترك، والمصلحة العربية“، تُناضل بجرأة وإصرار في سبيل رفع الهيمنة الإيرانية عن لبنان، عناوين تُعيد شدّ العصب بصرف النظر عن الإمكانيات، وكلام بأولوية الهوية، والإنتماء بدل الإنتساب، بحق المواطنة بدل حقّ المُساكنة، والخصومة..
تيار وطني جامع، عابر للطوائف، يلتزم بناء الدولة المدنية الحقيقية.
وفي هذا الإطار، على هذا التيار أن يخرج من سنوياته، إن كانت في المؤتمرات، او الخلوات، او أي أمكنة مغلقة، ضيّقة، لا تمتد على مساحات واسعة، تستحقها لغته، وأن يتحوّل من زائر تختصره البيانات، الى لغة تخاطب بين الناس، تُقَدّم في أولوياتها، الملفات المصيرية، على اليوميات المعيشية، وإن كانت تلك أيضاً ضرورات حياة، فللضرورات أيضاَ وأيضاً أحكام بقاء ووجود.
أن ينتقل الى زائر دائم في قلب المجتمع اللبناني، سفير بين مدارسه، وجامعاته، وجمعياته الشبابية..
حوار يومي في مصير البلاد والعباد، الأخطار كثيرة وداهمة، وليست في وارد الإنتظار من سنة الى أخرى.

February 12, 2017

 بيروت اوبزرفر

طوني ابو روحانا